المخيمات الفلسطينية بين مشاريع التصفية وحلم العودة


المخيمات الفلسطينية بين مشاريع التصفية وحلم العودة

 عدنان الساحلي - السفير:
«أدخلوا بلدكم لبنان».
بهذه العبارات العاطفية استقبل لبنان الرسمي الفلسطينيين اللاجئين الى لبنان عام ,1948 عندما خاطبهم رئيس الجمهورية بشارة الخوري في مدينة صور.
لكن التعبير الأشمل والأكثر دفئاً ورد على لسان وزير الخارجية آنذاك حميد فرنجية، الذي قال: «سنستقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين، مهما كان عددهم، ومهما طالت إقامتهم، ولا يمكننا ان نحجز عنهم شيئاً، ولا نتسامح بأقل امتهان يلحقهم دوننا، وما يصيبنا يصيبهم وسنقتسم فيما بيننا وبينهم آخر لقمة خبز».
وتذكر وثائق تلك المرحلة، عندما بدأت طلائع النازحين الفلسطينيين تصل الى لبنان مطلع عام ,1948 ان الهيئة العربية العليا لفلسطين، اوفدت مندوباً عنها الى بيروت، في شباط ,1948 طلب الى اركان الحكومة اللبنانية عدم السماح للفلسطينيين بدخول لبنان في ذلك الوقت، وإخراج من كان قد وصل اليه منهم، وإعادتهم الى فلسطين ليشاركوا اهلها كفاحهم ونضالهم. وتفيد مذكرة الهيئة المذكورة، الصادرة في بيروت في 18 كانون الاول 1959 «إن السلطات اللبنانية المسؤولة رفضت هذا الطلب، وان مصدراً لبنانياً مسؤولاً قال لمندوب الهيئة ان الفلسطينيين الذين يفدون الى لبنان، ينفقون فيه اكثر من خمسة ملايين ليرة لبنانية شهرياً، وليس من المصلحة إخراجهم». بين هذا الجو الانساني المتضامن والحاضن للفلسطينيين في نكبتهم، والمستفيد منها بأشكال شتى، وبين انهمار الدموع من مآقي بعض اعضاء الوفد الوزاري اللبناني، لما شاهدوه من واقع البؤس والحرمان والظلم الذي يعيشه ابناء المخيمات، خلال تفقدهم مخيم عين الحلوة العام الماضي، وكان بينهم الوزيران طراد حمادة وخالد قباني، تمتد مسافة تسعة وخمسين عاماً من الاهمال المقصود، عاشها الفلسطينيون في لبنان محرومين من ابسط الحقوق المدنية والانسانية التي أعطتهم اياها القرارات الدولية والعربية الناظمة لشؤونهم.
وليس جديداً القول إن السلطات اللبنانية استفادت من نكبة فلسطين في مجالات شتى، واذا ما تمعنا في خريطة توزيع الفلسطينيين في لبنان، نجد أن هذا التوزيع راعى تقسيم «النعمة» القادمة أولاً، والتي كانت تصرف ما حملته معها من اموال، ثم قام بتحويلها الى يد عاملة رخيصة في وقت لاحق، وهذا يفسر توزيع مخيمات اللاجئين على المناطق الصناعية والزراعية.
قرارات على الورق
عرفت اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين سنة 1951 في فقرتها الثانية لفظة لاجئ بأنها تطلق على: «كل شخص يوجد نتيجة احداث وقعت قبل 1 كانون الثاني 1951 بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد، بسبب عرقه او دينه او جنسيته او انتمائه الى فئة اجتماعية معينة او آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، او لا يريد بسبب ذلك الخوف، ان يستظل بحماية ذلك البلد، او كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد اقامته المعتادة السابق نتيجة مثل تلك الاحداث ولا يستطيع او لا يريد بسبب ذلك الخوف ان يعود الى ذلك البلد...». ونصت المادة السابعة من اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين على أن: «يتمتع جميع اللاجئين، بعد مرور ثلاث سنوات على إقامتهم بالإعفاء، على ارض الدول المتعاقدة، من شرط المعاملة التشريعية بالمثل».
وفي عام 1959 استحدثت السلطات اللبنانية في وزارة الداخلية، ادارة تحت اسم «ادارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين» عهد اليها الاهتمام بأمورهم ورعاية شؤونهم وحددت مهامها في المرسوم رقم 927 تاريخ 31 آذار .1959 وكلفت هذه الادارة بصورة خاصة الاتصال بوكالة الاغاثة الدولية في لبنان «الاونروا»، بهدف تأمين اعاشات اللاجئين وإيوائهم وتثقيفهم والعناية بشؤونهم الصحية والاجتماعية، وكذلك الموافقة على طلبات جمع الاسر المشتتة وفقا لنصوص مقررات جامعة الدول العربية. وفي عام 1964 اصدر المؤتمر الثامن لرؤساء اجهزة فلسطين، الذي وافق عليه مجلس جامعة الدول العربية، القرار رقم 2019 دورة 42 أكد فيه ان معاملة الدول العربية للفلسطينيين انما تنبثق من النظرة القومية بوصفهم من ابناء الامة العربية واعتبار فلسطين جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي. كما اكد المؤتمرون ان مقتضيات المصلحة القومية وضرورة اعداد الشعب الفلسطيني لخوض معركة تحرير فلسطين، تحتم معاملة ابناء هذا الشعب معاملة تمكنه من التغلب على الصعوبات التي يعانيها لتحقيق الاهداف القومية المشتركة، وانسجاماً مع هذا الاتجاه اوصى بمعاملة الفلسطينيين في سفرهم وتنقلهم واقامتهم معاملة رعايا الدول العربية التي يقيمون فيها، وطالب بإعداد تقارير شاملة عن الخدمات التي تقدمها الدول العربية للاجئين.
كذلك دعا مجلس وزراء خارجية الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية، في العاشر من ايلول سنة 1965 الى اتخاذ كافة الاجراءات بشأن تسهيل الشؤون الحياتية اليومية للاجئين الفلسطينيين المقيمين في الدول المضيفة، وأصدر بروتوكول الدار البيضاء، وفيه أكد أحقية الفلسطينيين المقيمين في اراضي الدول العربية في الإقامة من دون اختلاق الصعوبات والاجراءات المعقدة، وصدق لبنان البروتوكول مع التحفظ التالي: «مع الاحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية، وبقدر ما تسمح به احوال الجمهورية اللبنانية الاجتماعية والاقتصادية، يعطى الفلسطينيون المقيمون حالياً في اراضيها الحق في العمل والاستخدام اسوة بالمواطنين». لكن الأحوال لم تسمح منذ ذلك التاريخ بمعاملة الفلسطيني معاملة المواطن، خصوصاً عندما كان يعيش لبنان في بحبوحة وازدهار اقتصادي، فكيف الحال في مثل هذه الأيام التي يهاجر فيها اللبنانيون من وطنهم هرباً من أوضاعه السيئة بما في ذلك البطالة المستشرية.
وفي قراره رقم 2600 تاريخ 11 آذار 1970 اعتبر مجلس جامعة الدول العربية في دورته الثالثة، أن اكتساب بعض الفلسطينيين جنسية اخرى لا يجردهم من جنسيتهم الفلسطينية، ولا يسقطها عنهم ولا يعفيهم من التزاماتهم نحوها. وأوصى بعدم اتخاذ اكتساب جنسية أخرى مبرراً للحذف من سجلات الفلسطينيين، تاكيداً للشخصية الوطنية الفلسطينية والكيان السياسي الفلسطيني.
محاولات خجولة
يطول الحديث عن الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان، لكن الموقف اللبناني العام تطوّر بين انقسام حول رأيين، الأول يرفض إعطاء الفلسطيني أي حقوق مدنية، عسى أن يكون ذلك سبباً في هجرته إلى أي مكان خارج لبنان. وانطلق الثاني من التزام بالقضية القومية وتبني المقاومة بشتى تجلياتها ضد الكيان الاسرائيلي، ليطالب بإعطاء الفلسطيني حقوقاً مدنية تساعده على المقاومة والصمود في وجه المؤامرات، الساعية الى شطب هويته الوطنية وتشتيته في شتى أصقاع الأرض. لكن وجه الغرابة جاء في التحول الذي طرأ مؤخراً، اذ ان اللبنانيين باتوا شبه موحدين في اعطاء الفلسطيني حقوقه المدنية، لكن بين جهات ترى ان توفير هذه الحقوق مساهمة ضرورية في دعم الفلسطيني ليستكمل مسيرته النضالية والعيش بكرامة، انتظاراً لاستعادة حقوقه الوطنية وارضه والعودة إليها، وبين جهات باتت توافق على إعطاء هذه الحقوق، ضمن صفقة يجري الحديث عنها لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والفلسطيني ـ الاسرائيلي، بإسقاط حق عودة الفلسطينين الى وطنهم، وازالة المخيمات القائمة وتشتيت سكانها.
والجدير ذكره، ان عشرات القـــرارات الدولية والعربية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، لم تغير من الواقع القائم، بانهم يعيشون في لبنان ظروفاً صعبة وقاسية للغاية، ويعانون من الانتهاكات الصارخة لحقوقهم الاساسية، حيث عملوا في ظروف غير طبيعية لجهة نوع العمل وساعاته وقيمة الأجر والإجازات القــــانونية. ولم يعطوا اي وضع استثنائي، بل كان كل استـــــثناء يعني مزيداً من الإجحاف بحقهم والتضييق عليهم.
وحسب تقديرات وكالة «الاونروا» فان عدد الفلسطينيين الذين دخلوا لبنان عام 1949 تراوح بين 110- 130 الف شخص، اصبحوا عام ,1995 حسب سجلات الوكالة 346.164 شخصا، تضاف اليهم اعداد من غير المسجلين الذين جاؤوا الى لبنان من سوريا والاردن. وقد تحرك الفلسطينيون منذ عقود مطالبين بالحقوق المدنية والاجتماعية، خصوصا ان الوجود الفلسطيني في لبنان تميز بوجود طاقات بشرية كبرى بين افراده، بينها نخب مالية تضم متمولين كبارا وشخصيات اقتصادية واعلاما فكرية وثقافية وقادة سياسيين واساتذة جامعيين. لكن اليد العاملة الفلسطينية مرت في ثلاث مراحل: الاولى بين 1948-1970 ، كانت فيها معظم اليد العاملة الفلسطينية تعمل في المجال الزراعي، خصوصاً ان قانون العمل اللبناني الصادر عام 1951 حظر عليهم مهناً كثيرة. ثم عدل القانون عام 1964 ليساوي العامل الفلسطيني بالعامل الاجنبي. الا ان وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان بين اعوام 1970-,1982 استوعب ثلثي اليد العاملة الفلسطينية، من خلال عملها في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. ثم صدر القرار 6211 في 15-12- 1995 الذي منع الفلسطيني من مزاولة اكثر من سبعين مهنة. ومؤخرا اصدر وزير العمل طراد حمادة في السابع من حزيران 2005 المذكرة 167 التي استثنى فيها الفلسطينيين المولودين في لبنان والمسجلين في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية من حصر المهن باللبنانيين، لكن المذكرة حصرت العمالة بالأجراء واستثنت المهن الحرة، التي ما زالت موضع أخذ ورد، إضافة الى إغفالها حق استفادة العامل الفلسطيني من الضمان الاجتماعي ومن حق تعويض بدل الخدمة (نهاية الخدمة). علماً ان مذكرة الوزير لا ترتقي الى مستوى المرسوم الحكومي.
مكاوي
أين أصبح ملف الحقوق المدنية للفلسطينيين المقيمين في لبنان؟
يوضح رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني السفير خليل مكاوي (التي تتبع مباشرة رئاسة الحكومة) ان الحكومة وضعت اربعة محاور لمعالجة الملف الفلسطيني في لبنان: الاول هو تحسين الحياة الانسانية والمعيشية للفلسطينيين في لبنان. الثاني معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتحديداً في أنفاق الناعمة وعلى الحدود الشرقية، وهما لفصيلين فقط «فتح الانتفاضة» بقيادة ابو موسى، والجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة احمد جبريل. وهناك المحور الثالث وهو السلاح داخل المخيمات. والرابع هو اقامة علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية.
ويشير مكاوي الى ان المحور الرابع «جرى حلّه، اذ اعيد فتح مكتب منظمة التحرير وتم تعيين عباس زكي وزيرا مفوضا، ولنا معه احسن العلاقات. والمنظمة هي الاطار الجامع للفلسطينيين، وهناك اعتراف عربي ودولي بها». اما «محور السلاحين» (المحوران الثاني والثالث)، يتابع مكاوي، على الرغم من الاجماع اللبناني عليه، وضع جانبا في الوقت الحاضر، لان هناك اولويات طرأت بعد الحرب وانشغال الجيش والوضع الداخلي المتازم.
أما المحور الاول المتعلق بالقضايا الانسانية والمعيشية للفلسطينيين، يضيف مكاوي، فهو الذي ركزنا عليه منذ سنة ونصف السنة، وحققنا فيه الكثير من الإنجازات، أولــها تسهيل إدخال مواد البناء الى مخيمات الجنوب، حيث كان يتم تقديم طلب الى الجيش وكان الرد يأخذ وقتاً وأحياناً لا يبت بالطلب. كانت صعوبات كثيرة تواجه الفلسطيني اذا اراد ترميم مسكنه، ونحن مع قيادة الجيش خففنا من هذه القيود الى اقصى درجة ممكنة، وبات ســـــاكن المخيم يقدم طلباً وخلال 24 ساعة يحصل على الترخيص ليدخل ما يشاء من مواد البناء، ومنذ ذلك الوقت لم نـــعد نسمع اي شكوى لا من الفلسطينيين ولا من «الاونـــروا» التي كانت لديها شكاويها في هذا الشأن.
عانى الفلسطينيون في لبنان من معوقات السفر والتنقل، ومن الاستثناءات السلبية التي طالت وثائق السفر التي كانت تعطى لهم. ويرى مكاوي ان لجنة الحوار حققت إنجازاً في هذا المجال لاقى ارتياحا كبيرا لدى الفلسطينيين، حيث توقف الامن العام اللبناني عن مصادرة وثائق السفر من الفلسطينيين العائدين الى لبنان، الذين يملكون في الوقت نفسه جنسية ثانية واقامة في الخارج، ولديهم وثيقة سفر لبنانية ومسجلون ضمن لوائح لاجئي عام 1948 وبعضهم ولد في لبنان. كما طلبنا من الامن العام ان يرد كل الوثائق التي صودرت سابقاً.
الإنجاز الثالث، يضيف مكاوي، كان الاعتراف بجواز السفر الفلسطيني الصادر عن السلطة الفلسطينية، وهذا يشمل العديد من أبناء الضفة والقطاع الذين تهجروا بعد حرب 1967 ويقيمون حاليا في لبنان وليس لديهم اي وثيقة سوى هذا الجواز. وقد تمت الموافقة على إعطائهم إقامات ليتمكنوا من متابعة تعليمهم والزواج والسفر.
ويشير مكاوي إلى أمر آخر، هو موضوع فاقدي الاوراق الثبوتية من الفلسطينيين، حيث حضرت اعداد من الفلسطينيين الى لبنان عام ,1970 اثر احداث الاردن وغالبيتهم كانوا يحملون وثائق سفر اردنية لم يجددها لهم الاردن، ولبنان لا يستطيع ان يعطيهم وثائق، لانهم غير مسجلين على لوائح النازحين اليه عام 1948 او عام .1967 هؤلاء بعد 37سنة على وجودهم في لبنان، كبروا واصبح لهم ابناء وعائلات، لكنهم مسجونون داخل المخيمات، لانهم اذا خرجوا منها يقبض عليهم. والبنت اذا كبرت لا تستطيع الزواج ولا الدخول الى المدرسة، لانها لا تملك وثائق اثبات الشخصية. هذا الامر موضوع حالياً على نار حامية. وطلبت (اي مكاوي) من منظمة التحرير إعطائي قائمة مفصلة بهؤلاء: من هم ومن أين أتوا؟ ودعوت الى اجتماع لكل المنظمات الاهلية الفلسطينية كي تساعد في ضبط هذا الامر وحتى لا نعتمد على مصدر واحد في احصائهم. وقد ارسلت المنظمة 1700 اسم حتى الآن، والآخرون وعدوا بإرسال لوائحهم. وعندما اجمع كل المعلومات المفصلة والاسماء سيعرض الموضوع على مجلس الوزراء. وسوف نبحث مع المصريين والاردنيين في امر الذين جاؤوا من غزة والاردن، لان مصر مسؤولة عن تسجيل الفلسطينيين في غزة، عندما كانت تحت الحكم المصري. والبلدان مسؤولان عن اعادة اعطاء وثائق ثبوتية للذين جاؤوا من المناطق التي كانا يديرانها. وهذا الامر بدوره على نار حامية.
يرى الفلسطينيون في لبنان ان اهم نقطتين عالقتين مع السلطات اللبنانية، في ما يتعلق بحقوقهم المدنية، هما حق التملك وحق العمل. ويلفت مكاوي الى ان الفلسطيني كان ممنوعاً في السابق من ممارسة اي عمل بالمطلق. لكن وزير العمل طراد حمادة أصدر منذ حوالى سنة قراراً سمح به للفلسطينيين بمجموعة مجالات عمل يدوية تقارب الخمسين مهنة، من دون اية عوائق، شرط ان يكونوا داخل الاراضي اللبنانية ومسجلين بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية. ويؤكد مكاوي «اننا نعمل لتحصين قرار الوزير حمادة، باعطاء المعنيين اجازة بربع القيمة التي يدفعها العامل الاجنبي. وهذا الامر نعمل عليه مع وزارتي العمل والعدل، للبحث في الوسيلة التي نقر بها هذا الإجراء من دون الذهاب الى مجلس النواب، بحيث يصدر قرارها من دون تعديل القوانين التي ترعى هذا الشأن».
يتابع مكاوي، أما بالنسبة للمهن الحرة المعروفة بالمهن العليا، فلا يوجد مجال في المحاماة، لأن القانون واضح بوجوب ان يكون المحامي لبنانياً. اما الطب والهندسة وغيرها، فيحتاج العمل فيها الى تعديل للقوانين المتعلقة بها في مجلس النواب، لان القانون الحالي يسمح للأجنبي بالعمل في هذه المهن شرط المعاملة بالمثل. وهذا الامر غير متوفر للفلسطيني، لذلك نحن نقول ان هذا الامر يجب الا ينطبق على الفلسطيني، لأنه ليس أجنبياً مثل الباقين، هو موجود في لبنان منذ ستين عاماً، لذا نبحث في ازالة المعاملة بالمثل وهذا الامر يحتاج الى قرار من مجلس النواب، وهو قيد البحث والدراسة، لكن الوضع السياسي القائم لا يسمح بمثل هذا الإجراء حالياً.
بالنسبة لحق التملك، يلفت مكاوي الى ان الفلسطيني كان قبل عام 2001 مثل غيره من الأجانب، يستطيع التملك شرط الحصول على اذن. وبعض الفلسطينيين حصل على إذن من مجلس الوزراء واشترى شققاً سكنية، لكنهم لم «يلحقوا» ان يسجلوا هذه الشقق حتى صدر قانون عام 2001 الذي وضع فيه بند خاص، يقول انه لا يحق لشخص تابع لدولة غير معترف بها ان يتملك في لبنان. ومن الواضح ان هذا البند وضع من اجل الفلسطينيين. وهذا الموضوع يجب ان يعالج بشكل يسمح للفلسطيني بان يتملك شقة، لا نقول بشراء أراض شاسعة او ملكيات كبيرة. مثلما سمحنا للمواطن العربي بشراء أماكن سكنية، نريد ان نعطي هذا الحق للفلسطيني القاطن في لبنان. كما نركز حالياً على تحسين البنية التحتية للمخيمات، التي تعيش حالة بؤس وحرمان، حيث المجارير مفتوحة ولا مياه للشرب او كهرباء. وقد دعا الرئيس السنيورة مؤتمر الدول المانحة في ايار الماضي (25 دولة) ووضعنا امامها مجموعة مشاريع ملحة سبق ان طلبنا من «الاونروا» تحديدها لتحسين الحالة المعيشية في المخيمات، وهذه المشاريع تكلف خمسين مليون دولار، استطعنا الحصول على 27 مليون دولار من الدول المانحة للقيام بهذه الاعمال داخل المخيمات، وقريباً جداً سيبدأ العمل في مخيمي صبرا وشاتيلا لتحسين البنية التحتية، يليها بعد ذلك مخيم عين الحلوة ثم باقي المخيمات.
يستدرك مكاوي الحديث ليقول: هناك اشخاص، بمن فيهم مقامات عالية، يرفعون في وجهنا فزاعة التوطين. لا احد يعمل للتوطين، كل ما نفعله هو ان نعطي الفلسطيني حياة كريمة يستطيع ان يعيشها الى ان تحل قضيته الاساسية، عندما يحصل سلام في المنطقة. وهناك إجماع وطني لبناني وفلسطيني على التمسك بحق العودة، انت تعطي الفلسطيني شقة ولا تعطيه جنسية لبنانية، والفلسطيني الذي أصبح فرنسياً أو أميركياً لا شيء يمنع عودته الى فلسطين اذا جرى حل القضية، وهذا الامر مضمون بقرارات الامم المتحدة ومؤتمرات القمم العربية. والمطلوب أن نعامل الفلسطيني كما نعامل المصري او الاردني او السوري القاطن في لبنان. وهذه المرحلة مناسبة لإعطاء الفلسطيني حقوقاً مدنية، لان هناك تقبلاً واسعاً للأمر من قبل اللبنانيين.
أبو العردات
يعتبر عضو المجلس الوطني الفلسطيني فتحي ابو العردات، ان ما أنجز على صعيد الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان هام وجيد، وما بقي منها أيضاً قضايا مهمة واساسية. وبين الإنجازات وجود ممثلية لمنظمة التحرير تشكل مرجعية للفلسطينيين في البلد، ويرى أن وجود المكتب تطوير للاعتراف بين المنظمة والدولة اللبنانية، خاصة أن المكتب أغلق منذ العام .1982 اما الانجاز الثاني، فهو اعادة قيود 27 الف فلسطيني، كانت قيودهم قد شطبت من لوائح «الاونروا» لانهم حصلوا على جنسيات بلدان سافروا اليها. كما اعيدت لهم جوازات سفرهم. وهذا يؤكد على حق العودة للفلسطيني حتى لو حصل على جنسية اخرى.
القضية الأخرى، يتابع، ان هناك مجموعة من الفلسطينيين جاؤوا بعد حرب ,1967 لا يوجد إحصاء دقيق لهم، لكن عددهم اكثر من اربعة آلاف شخص. وقد تم تثبيت قيود 1200 شخص منهم لدى مكتب منظمة التحرير. وتتم متابعة الموضوع من خلال اللجنة التي يترأسها السفير مكاوي، علماً ان وضع هؤلاء اصعب من وضع اللاجئ الذي يملك هوية ويستطيع التنقل داخل البلد، لان هذه الفئة ليس لديها إثبات شخصية. وقد تحقق إنجاز هنا، لان ممثلية منظمة التحرير تعطيهم أوراقاً تسهل عليهم التنقل. وهناك موافقة على اعطائهم هويات مؤقتة من قبل الحكومة اللبنانية وجوازات سفر مؤقتة حتى يستطيعوا التنقل بها. كذلك تحقق إنجاز لجهة إدخال مواد البناء الى مخيمات الجنوب. وهناك قضايا كثيرة اتفق عليها، مثل رفع مستوى التمثيل الفلسطيني، لكن تعطل الحكومة وظروف البلد أخرت إقرارها.
كما في الإنجازات، لا تختلف وجهة النظر الفلسطينية كثيراً عن وجهة النظر الرسمية اللبنانية تجاه القضايا المعلقة، التي ما تزال قيد المتابعة والدرس. ويرى ابو العردات أن «ما تحقق على صعيد حق العمل هو إنجاز، لجهة المذكرة التي أصدرها الوزير طراد حمادة، التي سمحت للفلسطيني بأن ينال إجازة عمل بسرعة وبرسوم اقل. وسهلت العمل للفلسطيني، لكننا نطمح لان يصدر مرسوم يسمح للفلسطيني بالعمل استناداً الى قرارات الجامعة العربية التي صدرت عام .1964 ونحن نطالب بان يعامل الفلسطيني في لبنان اسوة بالفلسطينيين المتواجدين في الدول العربية، اي معاملة رعايا هذه الدول ما عدا الوظائف العامة والجنسية». يضيف: نحن ندرك ان موضوع العمل يحتاج الى مرسوم، وبتقديري ان اوضاع البلد والاستقالات من الحكومة عطلت خطوات وإنجازات كان يمكن ان تتم في هذا الشأن. ونحن لا نريد أن نزاحم العامل والطبيب اللبناني في مهنته، نحن نريد أن تراعى الأولوية للبناني وبعد ذلك اذا امكن للفلسطيني، ونحن نعرف ان مجالات العمل في البلد محدودة، وكثير من الفلسطينيين يقصدون دول الخـــليج للعــــمل، شـــأنهم شأن اللبنانيين، لذلك المطلوب تنظيم عمل الفلسطينيين حتى يعيشوا بكرامة.
عن حق التملك، يرى أبو العردات أن تسهيلات طرأت على قانون التملك، لكنه يحتاج بدوره إلى مرسوم حتى ينفذ «لكننا نقدر ظروف البلد الحالية». ويضيف: نحن نفهم قانون التملك بان ابسط حق للانسان ان يمتلك منزلاً، وهذا لا علاقة له بتوطين او غيره. والفلسطيني عندما يتملك شقة لا يتخلى عن فلسطين، على العكس من ذلك، ان عملية التيئيس التي تمارس بحق الفلسطيني تهيئ للتوطين باعتباره حلاً وحيداً. والمطلوب تخفيف الاكتظاظ السكاني داخل المخيمات، التي يعيش سكانها ظروفاً قاسية جداً، أنت في غرفتك وجارك يسمعك تتحدث ويعرف ماذا تفعل انت وعائلتك. والشرفة مشتركة ولا توجد اي خصوصية للعائلة. ويقدر ابو العردات اهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي الفلسطيني داخل المخيمات «لان مخيماتنا تضم أحياء بأسماء القرى، وأهل القرى الذين تهجروا يعيشون معاً في المخيم في احياء تحمل اسماء قراهم. حتى المدارس في المخيمات تحمل اسماء المدن والقرى المحتلة. وهذه الاسماء والتجمعات تبقى خزاناً يحفظ القضية ويحمل رايتها ويسلمها من جيل الى جيل. ومن المهم ان نحافظ على المخيم حتى تبقى الناس متمسكة بقضيتها، لأن 59 سنة من النزوح والنكبة لم تنسِ الفلسطيني قضيته، لأنه اعتبر أن وجوده في المخيم هو محطة لعودته الى منزله في فلسطين. حتى الفلسطيني القاطن خارج المخيم يعتبر أن من واجبه تعليم أبنائه التمسك بقضيتهم وهويتهم وحق عودتهم الى فلسطين. يمكن ان القاطن داخل المخيم اكثر معاناة من صعوبة الحياة والاكتظاظ السكاني، لكن القضية الوطنية تبقى حية حتى بالنسبة للذي يعيش في اميركا اللاتينية، ويبقى الانشداد الى فلسطين».
ويضيف: المخيمات باتت تضيق بمن فيها وهي بحاجة الى ملحقات، ونتمنى أن يصبح لكل مخيم ملحق، وهذا يحتاج إلى تفاهم مع الدولة. ويتطلب وجود اراض مجاورة للمخيم يتم استئجارها او تأمينها وهذا موضوع شائك، لكننا نعلم أن الفلسطيني عندما يريد أن يشتري منزلاً يشتريه قرب المخيم، والمهجرون من مخيم البارد ماذا فعلوا؟ سكنوا في مخيم البداوي. وفي عين الحلوة الذي غادر المخيم سكن في سيروب أو في محيط المخيم، أو في وادي الزينة حيث نشأ تجمع فلسطيني جديد. من هنا فإن السماح بالتملك لا يؤثر إطلاقاً على فكرة تجمع الفلسطينيين ولا يضعف ارتباط الفلسطيني بمخيمه.
يؤكد ابو العردات ان الوقت تأخر كثيراً لتنفيذ مطالب الفلسطينيين بالحقوق المدنية والاجتماعية. ويعتبر أن تنفيذها اليوم افضل من غد. ولا يجوز ان تكون هناك معاناة. ويقول: نحن نقدر ظروف البلد، ولا نحمل لبنان المسؤولية، لان المجتمع الدولي هو الذي يتحمل بانحيازه مسؤولية معاناة الفلسطينيين، خاصة الموقف الاميركي الذي نحمله مسؤولية بقاء المعاناة. لكن نعتب على اخواننا في الحكومات المتعاقبة كلها، لانها كان يجب ان تتعاطى بشكل اكثر جذرية في معالجة مشكلات الفلسطينيين، خصوصا قضيتي حق العمل وتملك المسكن، وغير ذلك مما له علاقة بمتطلبات الحياة اليومية. وقد انتظرنا خمسين عاماً وعلينا ان ننتظر بعض الوقت حتى يتعافى البلد وتترتب اوضاعه وتتشكل حكومة جديدة.
ويوافق ابو العردات على ان الموقف اللبناني ينطلق في إجماعه على الحقوق المدنية للفلسطينيين من أبعاد مختلفة، لكنه يقول: نحن مسرورون لهذا الإجماع. ويرفض الفكرة القائلة ان تحسين وضع الفلسطيني هو بداية مشروع التوطين. ويرى ان الذين يريدون ان يضيقوا على الفلسطيني ليجعلوا منه قنبلة تنفجر شظاياها وتصل الى كل المجتمع، يعملون بشكل خاطئ جداً، ان لم تكن هناك نيات أسوأ، لأنك كلما حسنت وضع الفلسطيني كلما ازداد قناعة بانه يجب ان يعود الى بلده، وازدادت قدرته على العمل والاستمرار من اجل هذه العودة. أم التضييق عليه فإنه يضعه أمام خيارين: اما ان يتجه نحو التطرف، او نحو الهجرة. ونحن شعارنا حالياً لا للتوطين ولا للتهجير. من حق الإنسان ان يبحث عن سبل الحياة حتى يحسن وضعه، واذا سافر لهذه الغاية فهذا امر مشروع، لكن ان تضغط عليه لتهجره، فهذا امر خطير. واليوم هناك موقف سياسي فلسطيني لبناني موحد يقول بحق العودة ورفض التوطين، والفلسطيني متمسك بحق العودة استناداً لقرارات الشرعية الدولية والقرار .194 وانا في هذا البلد لدي حقوق كانسان عربي اسكن في بلد عربي شقيق، وثلاثة ارباع الفلسطينيين القاطنين في لبنان ولدوا فيه، لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه الدولة. والفلسطيني لن يكون ثغرة في جدار الامن. علما ان مشاريع التوطين مطروحة منذ الخمسينيات والفلسطينيين رفضوها وما زالوا.
ويشدد ابو العردات على ان «لا دولة ولا قيادة في العالم العربي او الاسلامي تستطيع التنازل عن حق العودة. لان موضوع حق العودة من الثوابت الفلسطينية والقومية لا يستطيع أحد التنازل عنه، ولذلك حتى مؤتمر القمة العربي في بيروت وما قيل عن محاولة إسقاط حق العودة، لم يستطع احد التحدث فيه، وجرت سابقاً محاولات كبيرة لإسقاط حق العودة، لكن صاحب الحق سلطان. والرئيس عرفات استشهد وهو يتمسك بحق العودة، وقال برسالة الى الرؤساء اللبنانيين: إن أول ناس سيعودون الى فلسطين هم فلسطينيو لبنان.
نقطة توحد
ويرى الكاتب والباحث الفلسطيني وليد محمد علي ان اعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية والانسانية والسياسية، عامل مساعد للفلسطيني لرفض التوطين، لان الفلسطيني عندما يكون مطمئناً إلى وضعه الإنساني يستطيع ان يكون صاحب موقف صلب في رفض التوطين وفي مواصلة مسيرته دفاعاً عن قضيته. اما ابقاء الفلسطيني في دائرة الحاجة والفقر وغيره، فهذا يدفعه الى القبول بالتوطين للخلاص من الحالة التي يعيشها، كما ان حصوله على الحقوق السياسية لا يعني ان يصبح جزءاً من الوضع السياسي اللبناني، بل المقصود ان يسمح له بالعمل على اقامة تشكيلاته السياسية والنقابية والاهلية ليؤطر وضعه ويعمل على ضمان حقه بالعودة الى فلسطين. وفي هذا مصلحة للفلسطينيين وللبنان.
ويعتبر محمد علي أن الذين يرفضون إعطاء الفلسطيني حقوقاً مدنية وإنسانية ينطلقون من خلفيتين: اما نظرة عداء للفلسطيني على اسس اقرب للعنصرية. واما من اعتقاد خاطئ يتوهم ان اعطاء الفلسطيني حقوقه قد تجعله يتخلى عن حق العودة، او يتراخى في التمسك به، وهذا امر مردود عليه، لان الثورة الفلسطينية انطلقت من الاردن، والفلسطينيون هناك يحملون الجنسية الاردنية. كما ان معظم المقاتلين الذين كانوا في صفوف الثورة في لبنان، هم من ابناء المخيمات في سوريا، حيث للفلسطيني هناك كامل الحقوق كما للسوري، ما عدا الحق في الجنسية. كذلك الامر بالنسبة للفلسطينيين في الشتات العالمي، الذين وصل بعضهم الى اعلى المراكز الاقتصادية والعلمية والاجتماعية، وهم من المتمسكين والعاملين على بقاء حق العودة.
ويرى محمد علي أن هناك خلافات في الواقع الفلسطيني تجاه الكثير من القضايا السياسية والعملية، لكن الجميع متفق في ما يتعلق بضرورة واهمية اعطاء الفلسطينيين في لبنان الحقوق الانسانية والمدنية والسياسية، وهذه نقطة توحد واتفاق بين جميع اجزاء الطيف الفلسطيني، على مستوى الفصائل والجمعيات الاهلية والشخصيات الفكرية والثقافية.



https://palcamps.net/ar/post/11