☰ قائمة المخيمات

معلومات إضافية


من ذاكرة أهالي المخيم:

 ألم النكبة وعبق الشهداء يمتزجان بين أزقة وبيوتات مخيم الفوار للاجئين الفلسطينيين الذي يحتضن بين جنباته ثمانية آلاف نسمة،هجروا من أرضهم قسرا،تاركين خلفهم سهولا ووهادا ونجادا تكسوها سنابل القمح وأشجار التين والزيتون والعنب في العراق المنشية،وبيت جبرين،وعجور، وزكريا، والدوايمة،وتل الصافي،والفالوجة،ودير نخاس وغيرها.
 
على بعد 8كم جنوبي مدينة الخليل وعلى الخط الواصل بين بلدتي دورا غربا والريحية شرقا،انتصب مخيم الفوار شامخا صامدا معبرا عن نكبة شعب هجر من أرضه وأصبح في مهب الريح.
 
لم يركن سكان هذا المخيم إلى هموم النكبة والبكاء على الأطلال،وإنما انشغلوا في إعداد جيل مقاوم أرهق الاحتلال في مقاومة فتية لم تتوقف، قدم خلالها أهالي المخيم الشهيد تلو الشهيد.. فامتزجت رائحة الدماء الزكية التي تدفقت من أجساد الشهداء على أبواب المخيم وأزقته مع دماء أجدادهم التي سالت على ثرى القرى والبلدات التي هجروا منها،لتصنع ملحمة جديدة نحو العودة والتحرير.
المربي حسن الشوبكي "أبو محمد" (53 عاما) من أبناء المخيم يرى أن البكاء وذرف الدموع على ما مضى خطيئة، مشيرا إلى أن الجيل الجديد لم يعد ينظر إلى الخلف وإنما بات يتطلع للمستقبل، لذلك تسابق شبابنا نحو الشهادة لصناعة المجد.
 
وأكد أبو محمد في حديث خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "إنه في الذكرى الخامسة والستين للنكبة يتذكر أبناء مخيم الفوار أبطالهم الذين تدافعوا للشهادة دفاعا عن أمتهم:مثل الاستشهادي مجدي أبو وردة، والاستشهادي إبراهيم حسن السراحنة،هذان البطلان اللذان نفذا عمليات القدس وعسقلان التي قتل فيهما أربعون (صهيونيا) وذلك يوم 25-2-1996م،فكانتا انتصارا للمنكوبين.
 
وأضاف أبو محمد الشوبكي:"لا زلت أذكر ليلة تشييع جثامين الشهداء،كيف كانت نشوة النصر في وجوه أهالي المخيم حتى آباؤهم وأمهاتهم الذين ساروا في الجنائز كانوا يزغردون ويهتفون لكتائب القسام والمقاومة.
 
وتقول الحاجة أم سامر الخضور من سكان مخيم الفوار والدة الشهيد سامر:كنا في الماضي وفي ذكرى النكبة نتذكر الأرض التي سلبت منا وطردنا منها،ولكننا أدركنا أن كل ذلك لا يعيد لنا كرامتنا وعزتنا، بل بات أطفالنا على غير قناعة بطريقة تعاملنا مع ذكرى النكبة.
 
وتضيف أم سامر:يوم استشهاد سامر في (16-11-2000) كان يوم الحناء وكنا نحضر للذهاب إلى أنسباء سامر، لكن سامر ابن المخيم الذي سمع عن النكبة ولم يشاهدها،دخل غرفة نومه ولبس بدلة العرس وتزين وانطلق ليواجه قوات الاحتلال على مدخل المخيم،فعاد محمولا على الأكتاف،الله يرحمه،كان يرى أن البلاد التي احتلها الصهاينة عام 1948م،لا تعود بالحكي ولا بالبكاء والحزن،وإنما بالجهاد والمقاومة.
 
ولم يتوقف تدافع أبناء مخيم الفوار نحو العز والمجد كغيرهم من أبناء المخيمات الفلسطينية، لقناعتهم بأن النصر لا يستجدى،وإنما ينتزع انتزاعا، لذلك انطلق المجاهد محمد أبو وردة من أبناء المخيم يقاوم ويجاهد الاحتلال،وتقول زوجته نورا الجعبري التي لم تعش معه سوى شهرين:"إن المجاهد محمد أبو وردة كان شديد الحياء،ويحب المجاهدين، ويتذكر الشهداء دوما،وكان الساعد الأيمن للقيادي القسامي الشهيد عبد الله القواسمي،وكنت أتوقع له الشهادة كل لحظة،لكن قدره كان في الاعتقال الأول لدى السلطة التي حكمت عليه بالمؤبد،فأمضى منه سبع سنوات ومن ثم هرب من السجن،ليتم  اعتقاله من قبل الاحتلال فحكم 48 مؤبدا.
 
ولم تنطفئ نار الثأر للنكبة داخل مخيم الفوار،فالمواجهات،والاشتباكات مع قوات الاحتلال تكاد تكون يومية،حيث يروي الشاب محمود النجار الصديق الحميم للشهيد محمود عادل الطيطي الذي استشهد ليلة 3-12-2012م،أن محمودا كان يتواصل مع زملائه وأصدقائه على  الفيس بوك،فيقول لهم بأنه قد لا يتحدث معهم بعد اليوم، ويضيف النجار: إنه قرأ آخر جملة كتبها الشهيد الطيطي وهي: "اللهم ارزقني الشهادة"، فصدق مع الله ونال الشهادة؟.
 
وأكد النجار أن النكبة حفرت في قلوب شباب المخيم أخاديد،حيث صنعت حالة البؤس منهم،جيلا فتيا لا يعرف الخنوع ولا الانهزام
 
هكذا هو تفسير الرد على النكبة في أجندة الشباب الفلسطيني،الذين يعيشون داخل المخيمات، فلغة البكاء على الأطلال بالنسبة لهم مرفوضة،لذلك تسابقوا نحو الشهادة،لعلهم يعيدون شيئا من المجد والعزة لشعبهم.(1)
 
يقول المواطن محمد جبر الشدفان،أحد سكان المخيم،لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" إنه ولد بعد حرب التهجير عام 1948م ولكنه يصر على العودة إلى قريته كدنا جنوب غرب الخليل.
 
ويوضح بأن الأمل دائما موجود لأن سكان المخيمات يعانون من الاحتلال وممارساته ومن قسوة اللجوء، خاصة وأن المخيم الذي يسكن فيه لا يبعد سوى 25 كيلومترا عن قريته التي هجرت عائلته منها.
 
ويتابع: "في عام1971م اصطحبنا الوالد إلى قريتنا وتعرفت عليها مع الأهل،ولكن منازلنا نسفت، ولم يعد لها وجود،وبقيت فيها الأشجار فقط، وأقيمت عليها مزارع للأبقار،حتى المقابر جرفت وتم تخريبها، ورغم أنني لم أعش في القرية إلا أنني أحسست عند رؤيتها أنني أنتمي إليها وأنني منها ومن ترابها".
 
ويشير الشدفان إلى أن العائلة لا تمتلك إلا 200 متر داخل المخيم ولكن الأراضي التي تملكها في القرية المهجرة واسعة، لافتا إلى أن العائلة كانت تمتلك الأموال لشراء أراض قبل سنوات، ولكنها لم ترد ذلك داخل الضفة فالأمل يحدوها بالعودة.
 
ويختم قائلا: "أنا أعلّم حب الأرض والقرية لأطفالي كي لا ينسوا حق العودة،وهم متشوقون أكثر مني للعودة إلى قريتهم،فقضيتنا قضية عامة ليست فقط قضية لجوء ومخيمات،ولا حل إلا بالعودة وبناء الوطن".

 

(1) المركز الفلسطيني للإعلام https://www.palinfo.com/3169


https://palcamps.net/ar/camp/21