شهداء و أسرى المخيم


شهداء مخيم اليرموك:

"يقدر عدد الشهداء من اليرموك في المقاومة الفلسطينية بنحو سبعة آلاف شهيد في الثورة والمقاومة وأعداد مضاعفة من الجرحى والمصابين"[1]

"كان مخيم اليرموك في مشاهدات الفلسطيني وذكرياته هو موطن كل الثوار، فكل العناوين الكبيرة والقامات النضالية والرموز الوطنية والإسلامية لها موطن قدم هناك، لقد كان المخيم بأزقته وحواريه الجميلة هو الركيزة الأولى لكل فصائل العمل الوطني والإسلامي؛ فهناك تجد مكاتب إدارية لحركة فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وأخرى لحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، ولكل عناوين النضال الفلسطيني ستجد شقق ومحلات تجارية ومراكز ثقافية، وهناك "مقبرة الشهداء" حيث رفات الكثير من قياداتنا الفلسطينية، أمثال: خليل الوزير (رحمه الله) والذي قامت بتصفيته خلية تابعة للموساد الإسرائيلية في تونس بتاريخ 16 أبريل 1988م، والأخ د. فتحي الشقاقي (رحمه الله) أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، والذي استهدفه جهاز الموساد الإسرائيلي وهو في طريق عودته من ليبيا إلى سوريا عبر جزيرة مالطا بتاريخ 26 أكتوبر 1995م، وكذلك الأخوين عز الدين الشيخ خليل ومحمود المبحوح؛ من كتائب الشهيد عز الدين القسام، واللذين اغتالتهم يد الغدر الإسرائيلية في دمشق ودبي عامي (26 سبتمبر 2004م) و(19 يناير 2010م)"[2]

 الشهيد سرور برهم «أول استشهادي فلسطيني» (١)

 بالمصادفة اجتمعت مع عدد من الزوار والأصحاب والأصدقاء في إحدى المزارع القريبة من دمشق مساء الأربعاء 22/8/2007م وطلب الداعي من الحضور التعريف حتى يتسنى للجميع معرفة بعضهم وبدأ التعريف: محمد من صفد،خالد من صفورية، سعيد من الجولان المحتل،الشيخ أحمد من الشام،أبو ثائر من لوبية،ونزار من كوسوفو طالب علم في دمشق،ويحيى سرور برهم مدرس متقاعد من حيفا و.....

ذكَّرني هذا الاسم «سرور برهم» بمجاهد كبير سمعت عنه الكثير وأعادني أربعين سنة للوراء يوم كانت إحدى البقاليات القريبة من منزلي بمخيم اليرموك لمحمود سرور برهم الابن البكر للمجاهد سرور برهم وكانت في شارع اليرموك وبجادة حارة دير ياسين الرابعة المطلة على مجمع مدارس الأونروا، ذكرني الاسم ونحن صغار السن عندما كنا نسمع من الكبار أن المجاهد سرور برهم فجر سيارة مليئة بالأسلحة حتى لا يستولي عليها اليهود، وعاد تذكر الشهيد سرور برهم في موجة العمليات الاستشهادية الكبيرة أبان الانتفاضة المباركة.

سألت الأستاذ يحيى أن يحدثنا عن والده سرور برهم ولكن يبدو أن أمراض الشيخوخة حالت بينه وبين سؤالي فلم يسمعني جيداً فما كان منه إلا أن هز رأسه قائلاً: «بارك الله فيك».

ولما رجعت إلى البيت وفي صباح اليوم التالي صبحت على الوالد أطال الله عمره أحدثه عن سهرة الأمس وسألته عن المجاهد سرور برهم فأمدني بمعلومات قيمة وطلبت منه كتابا ذكر هذه المعلومات فسرعان ما نزل إلى مكتبته وبحث في الفلسطينيات فأخرج لي كتابين الأول للشيخ نمر الخطيب «من أثر النكبة» دمشق ١٩٥٠«والآخر كتاب الشيخ عبد الرحمن مراد» صفحات عن حيفا ومعركتها الأخيرة دمشق ١٩٩١ ومما رواه المؤلفان عن الشهيد سرور برهم ومما سمعته من الوالد أدون ما يلي:

الشهيد من مواليد حيفا ١٩٠٣م تربى على التدين والجهاد من صغره سرعان ما شارك في الجهاد ضد الغاصبين والمحتلين، وأما قصة استشهاده فهي كما يلي:

ذهب قائد حامية حيفا العربية المجاهد الأردني محمد حمد الحنيطي إلى بيروت ودمشق للاجتماع بالمسؤولين في الهيئة العربية العليا وباللجنة العسكرية العليا التابعة لجامعة الدول العربية كان برفقته سرور برهم وزوجته وعدد من المجاهدين وطلبوا إرسال أسلحة وذخائر ومتطوعين إلى حامية حيفا التي كانت تشكو من قلة الذخيرة والسلاح وأخيراً وبعد محادثات مضنية استطاعوا الحصول على شاحنتين كبيرتين مجموع حمولتهما ١٢ طناً وسارت السيارتان برفقة الحنيطي الذي أصر على المرافقة بالرغم من نصائح الشيخ نمر الخطيب على السير في طريق آخر يسبق القافلة حفاظا على سلامته وسارت السيارتان ورافقهما القائد الحنيطي بسيارة خاصة وسيارة بها سرور برهم وزوجته من بيروت لصيدا حيث انضمت إلى القافلة شاحنة مملوءة بأسلحة مرسلة من الهيئة العربية العليا لفلسطين واستمرت القافلة بالمسير حتى رأس الناقورة مركز العبور بين لبنان وفلسطين والذي كان تحت السيطرة الإنجليزية وتحت أعين ضباطها وجنودها الذين كانوا عيونا لليهود وأخيراً وصلت القافلة إلى عكا فاقترح سرور برهم على الحنيطي المبيت في عكا ونقل الأسلحة إلى حيفا عن طريق البحر فرفض الحنيطي وأصر على متابعة المسير وكذا نصحه بعض وجوه عكا، ولكنه أصر على المسير لأنه اعتبر أن المبيت في عكا نوع من الجبن والهزيمة، وتابعت القافلة سيرها بعد أن انضم إليها عدد من المجاهدين العكاويين وعند وصول القافلة مدخل مستعمرة «موتسكين» الواقعة في منتصف الطريق بين حيفا وعكا كانت قد تنامت لليهود عن طريق جواسيسهم وربما عن طريق مركز الناقورة أخبار القافلة، يقول الشيخ نمر الخطيب: وقبل وصولها بـ(٧) كيلومترات شاهد أحد رجال القافلة أن يهودياً كان يراقب وصول القافلة فلما رآها امتطى دراجته النارية وعدا أمامهم،ففوجئ المجاهدون بإغلاق الطريق ببراميل كثيرة أو دبابة، وعند توقف القافلة انهمرت عليها النيران من كل حدب وصوب فتسلل بعض المجاهدين واشتبكوا مع اليهود وقد استطاع سائق إحدى السيارتين المملوءة بالسلاح أن يفلت من الطوق اليهودي ويعكس سيره وينجو بالسيارة كما استطاعت سيارة صغيرة رافقتهم من عكا بالإفلات وكان باستطاعة سرور برهم أن يفلت أيضاً إذ كانت سيارته بالمؤخرة ولكن عز عليه أن يرى صحبه في المعركة ويتأخر عنهم فما كان منه إلا أن فتح باب السيارة وخلع سترته وطربوشه وسلمها لزوجه أم محمود قائلا لها (اشهدي لي، اشهدي لي يا أم محمود).

وتناول سرور بندقيته وأخذ يزحف على الأرض حتى وصل إلى قرب القائد الحنيطي وصحبه المنبثين في ميدان القتال فوجده قد استشهد، ونظر إلى شاحنة الأسلحة فوجد اليهود قد صعدوا فوقها للاستيلاء عليها فعز عليه ذلك فتناول قنبلة كانت في جيبه واقترب من السيارة وصعد فوقها وألقى بها على مبدأ «عليَّ وعلى أعدائي يا ربي» فخر الجميع صرعى بما فيهم الشهيد سرور برهم وقد احترقت جثته، وقد دوى شمال فلسطين بالانفجار وقد سمع من الحدود اللبنانية ورجت حيفا وعكا وما جاورهما، لقد أفتك هذا الانفجار بعشرات من اليهود الذين هرعوا لغنيمة الأسلحة كما دمرت العشرات من المنازل اليهودية ومن شدة هول الانفجار أحدث حفرة عميقة على مسافة بعيدة، كانت هذه المعركة في
17/3/ 1948م.

ولم ينجُ من المجاهدين في هذه المعركة إلا مجاهد واحد في قصة عجيبة بل معجزة فقد كان مستلقياً على ظهره وإذا بالهواء الشديد من شدة الانفجار يرفعه إلى مئات الأمتار ويلقي به فوق إحدى عربات القطار المتجهة إلى عكا وهذا الرجل معروف باسم أبي طوق وكان سائقاً للقائد محمد الحنيطي وفعلاً وصل إلى عكا يحدث الناس بما حصل.

وأسفرت العملية البطولية عن ١٤ شهيداً صلي عليهم جميعاً في الجامع الكبير ودفنوا في مقبرة الياجور بحيفا أما القائد محمد الحنيطي فلف بالعلم الأردني ووضع في سيارة متجهة إلى شرقي الأردن حيث دفن هناك في بلده رحمه الله.

الشهيد سرور برهم، أول استشهادي فلسطيني (٢)

 لم أكتف بالمعلومات التي قرأتها وسمعتها عن الشهيد سرور برهم وخطر على بالي زيارة ابنة الأستاذ يحيى في بيته بمخيم اليرموك علني أسمع المزيد عن حياة والده، قرعت الباب ففتح لي نجلا الأستاذ يحيى «عمر وعمار» اللذان كانا معنا في سهرة أمس فرحبا بي أشد ترحيب وبعد دقائق دخل الأستاذ يحيى ولما عرفوا مطلبي قدموا لي ما أريده. 

قال الأستاذ يحيى أنا من مواليد حيفا 1938 وخريج جامعة دمشق قسم الجغرافيا، وأضاف: ولد الشهيد سرور برهم عام 1903 وقد أنجب والدي ذكرين هما محمود ويحيى وست بنات هن ظريفة وفاطمة ونعمات ومنيفة وكوثر ونصرة أردف قائلاً:

 كان والدي وغيره من المجاهدين شغلهم الشاغل الجهاد في سبيل الله وطرد اليهود شذاذ الأفاق الذين استولوا على البلاد، ولكن كما يقولون العين بصيرة واليد قصيرة لم تكن الأموال متوفرة عند الناس كان الوالد يبيع فراش الصوف والأغراض الثمينة من أجل شراء السلاح، كان بيتنا الواقع في وسط حيفا في شارع الناصرة مركزا للثوار ومخبأ للأسلحة أذكر كبار القادة وهم يزوروننا والوالدة تعد لهم الأكل والشرب يسهرون ويتناقشون في أمور الثورة، اشترك الوالد في عمليات فدائية جريئة كما أنه تزعم جماعة الكف الأسود في حيفا التي كانت تلاحق لعملاء والخونة،كما أنه كان معاون قائد حامية حيفا.

ويردف الأستاذ يحيى قائلاً: أذكر يوماً أنني شاهدت كفيه محروقتين ولما سألت عن السبب أجابتني الوالدة رحمها الله لقد كان يستعمل مدفع هاون جديد وقد حرقت كفاه من حمم النار.

سألته عن العملية البطولية التي قام بها الوالد إن كان يذكرها قال: كنت يومها في صيدا مع أخواتي البنات لاجئين مشردين لأن المعارك كانت على أشدها بين المجاهدين واليهود وقد ودعنا الوالد وأصرّ على اصطحاب الوالدة معه لأنها كانت تتوق للجهاد في سبيل الله فخرجا مع قافلة الأسلحة ونحن ندعو لهما ولامجاهدين بالنصر والثبات.

أضاف الأستاذ المرحوم يحيى: سمعنا ونحن في صيدا دوي انفجار قوي فأوجسنا خيفة فصرنا ندعو أن ينصرنا الله على اليهود ولم نعلم أن هذا الانفجار كان العملية البطولية للوالد إلا بعد آيام حين وصول الوالدة إلى صيدا حزينة على فقدان زوجها ومنتشية بما قام به من بطولة حالت دون استيلاء اليهود على سيارة الأسلحة. 

تابع الأستاذ حديثه: مكثنا في صيدا مدة ثم انتقلنا إلى دمشق وسكنا مخيم اليرموك، توفيت الوالدة أم محمود في الأردن لدى زيارتها لإحدى بناتها هناك ونقلت إلى مخيم اليرموك ودفنت في مقبرتها.

خرجت من بيت الأستاذ يحيى وأنا معجب بأن روح الجهاد والاستشهاد ما زالت تسري في بيته فولداه عمر وعمار حدثاني كذلك عن جدتهم أم محمود رحمهما الله وعن عمهم محمود أبي أحمد الذي توفي في اليرموك عام ١٩٩٠ وعما كانا يحدثانهما عن جدهما وعن المجاهدين أمثال رشيد الحاج إبراهيم وفخري البرد وأحمد عمورة وسعيد عطية وغيرهم من المجاهدين والشهداء، خرجت وكلي ثقة بأن الخير في أمتنا إلى يوم القيامة ويممت شطري نحو منتصف المخيم لأنني أذكر أنني عندما كنت في العاشرة من عمري رأيت شارعاً باسم «سرور برهم» متفرعاً من شارع صفد، ذهبت هناك لأتأكد من أن الشارع ما زال يحمل اسمه القديم فوجدته كما هو عندها شكرت بلدية المخيم التي ما زالت على عهدها القديم. 

توفي الأستاذ يحيى في الشهر الأخير من عام ٢٠١٠ وبعد عام توفيت زوجته لطيفة السهلي أم عمر أي قبل خروجنا من المخيم، وبعد نكبة اليرموك وهاجر ولداها عمار وعمر إلى ضواحي دمشق بعد أن بقيا شهورا هناك يقدمان العون والمساعدة لكل بقي هناك. وهما كغيرهما من شباب المخيم ينتظرن بفارغ الصبر العودة لبيوتهما ومخيمهما وحارتهما. [3]

[1] علي بدوان، مقالة في صحيفة الوطن العمانية 20/5/2012

[2] د. أحمد يوسف، مقال على موقع وكالة معا الإخبارية، 3/3/2014 http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=678404 

[3] ذكريات من مخيم اليرموك   للدكتور خليل محمود الصمادي

 

 

صور من المخيم


https://palcamps.net/ar/camp/82