معلومات إضافية


مخيم شعفاط ... الصفحات المطوية

الحلقة الأولى

 

الضفة الغربية- العودة-أديب زيادة

من المخيمات المميزة عن سائر المخيمات، سواء من الناحية الديمغرافية أم الجغرافية أم السياسية، صامد رغم كل المؤامرات التي تستهدفه، فهو المخيم الوحيد الواقع ضمن حدود ما يسمى ببلدية القدس الصهيونية، ويحاط حالياً بجدار من كل جانب يمنع سكانه من حرية الوصول الى القدس الا عبر معبر احتلالي مشدد، يحيط به الاستيطان من ثلاث جهات، وهو فوق ذلك لا زال بصموده يحول دون اكتمال غلاف القدس الاستيطاني. وفي ذات الوقت يعاني من مشاكل قلّ نظيرها كاستهداف شبابه من قبل الاحتلال بالاعتقالات ولقمة العيش وهدم البيوت والمخدرات. أما بنيته التحتية والضغوط التي يتعرض لها وتبعات ذلك كله فحدث ولا حرج. وهو رغم ذلك يشق طريقه ليسطر ملحمة انتماء وولاء للوطن وللقضية حتى بامكانات هؤلاء اللاجئين المحدودة. كان لنا لقاءات مع العديد من أبناء المخيم حيث حدثونا بما في قلوبهم وسنتناول هذا الملف على حلقات.

 

من حارة الشرف إلى مخيم شعفاط

هناك قريباً من القدس وعلى بعد 5 كيلومترات الى الشمال الشرقي منها يتربع مخيم شعفاط، حيث تتجلى صورة من صور الاحزان الفلسطينية المركّبة. هناك يطوي عشرات الآلاف من السكان الحشى على سر لم يفتح بعد وصفحة لا زالت مطوية. فهذا المخيم خلاف غيره من المخيمات الفلسطينية بني كما يقول خضر الدبس عضو اللجنة الشعبية  في المخيم في العام 1966م بينما بنيت نظيراته بعد النكبة مباشرة. فمن عشرات القرى تجمع قرابة الثلاثة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين المهجرين بفعل عصابات القهر والاجرام الصهيونية كما تشكلت سائر المخيمات، ليلتقوا في حارة الشرف – يطلق عليها الصهاينة حارة اليهود-  بالبلدة القديمة في القدس سنة 1952م حيث استأجر البعض وتملك آخرون كما يقول د. طلال أبو عفيفة، هناك عاشوا حياة كانت افضل نسبياً من حياة ابناء المخيمات الآخرين فهم على تماس بالمدينة المقدسة حيث الحيوية والنشاط الاقتصادي، كانوا يسكنون بيوتاً جيدة مقارنة بنظرائهم في أماكن أخرى حسبما يرى ابو رائد محمد خشان( 54عاماً)  فقد كان عندنا دارعرضها 6م وطولها 20 متر بمنافعها حيث الماءُ والكهرباءُ والحمّامُ وبابٌ للدار وكان لنا كذلك مخزن، اتوا بنا الى هنا إلى مخيم شعفاط حيث غرفة واحدة للعائلة الواحدة 3*3 بلا حمامٍ بلا ماءٍ بلا كهرباءٍ بلا بابٍ للغرفة كما يؤكد خضر، تحيط بالغرفة قطعة أرض لا تزيد مساحتها عن 110م، كنا نعيش حالة افضل مما نحن فيه الآن اضعافاً مضاعفة وهو ما يشاطرهم الرأي فيه أيضاً عزمي ابو الصفا( 60 عاماً)،  فقد حَمَّلونا من حارة الشرف في السيارات بالعصيّ والجنازير الى حيث المنافي كما يحلو لخشان أن يصفها، فلم نجد امامنا سوى الحيايا والعقاربِ والضباعِ في منطقةٍ خلاء، كنا نعيش في قصور مقارنة بما جاءوا بنا اليه. كان بمثابة التهجير الثاني بالنسبة الى سكان حارة الشرف من اللاجئين، ولكنه ليس تهجير النكسة المعهودة سنة 1967م بل قبلها بعام واحد حيث لم يكن الاحتلال قد اغتصب البلدة القديمة في القدس بعد.

 

بداية القصة

بدأت القصة عندما اتفقت الحكومة الاردنية مع وكالة الغوث سنة 1964م  على ضرورة إخرا ج سكان حارة الشرف من اللاجئين الذين يحملون بطاقة وكالة الغوث دون التشاور معهم أو أخذ رأيهم الى مخيم يبعد حوالي الخمسة كيلومترات عن القدس تم إعداده خصيصاً لهذه الغاية، وبالفعل جرى ذلك في العام 1966م أي بعد النكبة بثمانية عشرعاماً، حيث تفاجأ كثير من السكان بقرار نقلهم أو كما يحلو لبعضهم وصفه( تهجيرهم مجدداً)، فلماذا يريدون تهجيرنا من هنا؟ لماذا يريدون نزعنا من مكان نحن مرتاحون فيه؟ فلا بيت الا وفيه الماء والكهرباء والحمام وبابٌ للدار كما يقول خضر الدبس، ولا يوجد ما ينغص على السكان معيشتهم سوى ذيول النكبة التي لم ولن تُنزع من ذاكرتهم. ذهل أهل حارة الشرف اللاجئون... رفضوا وغضبوا الا أن القرار كان أكبر منهم . فلا مبرر معقولاً كما يرى خشان وابو عصب لنقلهم من أماكن سكناهم التي لم ينازعهم فيها أحد سوى أن ظروف إقامتهم في حارة الشرف كما قالت الحكومة آنذاك غير انسانية ولا بد من البحث عن مكان أفضل وهو ما ينفونه بالطبع جملة وتفصيلاً. فكيف يكون الوضع الجديد أفضل كما يتساءل خضر الدبس ولا يوجد في كل المخيم الجديد سوى سبعة حمامات عامة للرجال والنساء وخمس نقاط ماء يأخذ الناس منها حاجتهم بعد أن يصطفوا طوابير سواء على نقاط الماء أو الحمامات، ولا توجد كهرباء في كل المخيم الذي يسير في وسطه أيضاً سيل تجري فيه المياه العادمة؟ كيف يكون هذا الوضع أفضل من ذاك؟!  وبين عشية وضحاها وبالقوة الشرطية الحاكمة حُمِّلت خمسمئة عائلة بالسيارات الى مخيم شعفاط الحالي، لتبدأ معاناة تأسيس الحياة من جديد وبناء مخيم يضاف الى سائر مخيمات الوطن والشتات كما يروي الشهود، لقد تمّ ذلك رغم أن بعض السكان ممن كانوا يدفعون إجاراً لقاء سكناهم في حارة الشرف خرجوا طوعاً كونهم سيتلقون بيتاً وأرضاً كما يقول د. طلال أبو عفيفة دون أن يدركوا عواقب أو تبعات ذلك.    

 سقوط القدس وحارة الشرف

وعن سقوط القدس عاماً واحداُ بعد عملية نقل السكان يتحدث الدبس وخشان وابو عصب بغضب ممزوج بالحسرة والغصة لقد فرَّغوا حارة الشرف من أهلها حيث كنا نقيم الى حين العودة الى الديار، لنتفاجأ بعد عام واحد فقط بسقوطها ودخول الصهاينة اليها ليتسلموها فارغة من أصحابها باستثناء بعض العائلات غير اللاجئة وليعود اسمها مجدداً (حارة اليهود) لقد أخذوها على طبق من ذهب. ولو دخلها الصهاينة ونحن فيها ما كان يمكنهم قلعنا منها مهما كلف الثمن ولما أصبحت حارة لليهود أبداً ولجرى علينا ما جرى على عموم سكان الضفة آنذاك حيث بقيت الأغلبية العظمى منزرعة في مواقعها رغم الاحتلال كما يرْوُون. وهكذا فسقوطها فارغة بعد عام واحد من نقل المقيمين فيها دفع السكان للتساؤل عن حقيقة النوايا من وراء نقلهم الى مخيم شعفاط فهم يدحضون حجة الحكومة والوكالة آنذاك بما رأوه وعاشوه من ظروف كانت أسوأ مما كانوا فيه كما يقول الدبس، فهل كان ذلك مخططاً ومتفقاً عليه بين الاطراف ذات العلاقة؟ يبقى السؤال مفتوحاً للزمن... الى أن تفتح الصفحة من جديد؟   

الحلقة الثانية 

مخيم سلواد ... بين الهجرتين

 أديب زيادة

مخيم صغير سكاناً ومساحة ولكنه يطوي الحشى على قصة من قصص الألم والمعاناة التي ذاقها أبناء هذا الشعب. لم يكف سلطات الاحتلال ما جرى للاجئيه يوم النكبة من تهجير وتقتيل دفع ثمنه شعبنا معاناة حتى يومنا هذا بمستقبل مفتوح على المزيد، بل لاحقهم العدو حتى تحت ظل الخيام هناك في مخيمات غزة بعد احتلالها عام سبعة وستين. خرج  المهجرون في ذاك المخيم من مدن وقرى فلسطين عام ثمانية وأربعين من اللد، الرملة، يافا، عنابة، المغار، حمامة، الجلدية والعباسية ليسكنوا الخيام على ارض غزة داخل مخيمات مكتظة تفتقر لكل مقومات الحياة تماماً كسائر إخوانهم المهجرين في دول الشتات، لم يكن في بالهم أن التهجير سيتبعه تهجير ورحلة العذاب لم تكتمل فصولها بعد.

 

بداية الحكاية

بدأت الحكاية مجدداً بعد نكسة عام سبعة وستين حين تم احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرهما، حيث وجد الصهاينة أمامهم مخيمات مكتظة تتخللها شوارع ضيقة لا تمكنهم من التنقل بينها وممارسة هواياتهم القمعية بحق أولئك اللاجئين الصامدين، أو ملاحقة المقاومين بين أزقة المخيمات وحواريها باستخدام آلياتهم العسكرية. فقرر الاحتلال - وفقاً لما يقوله إسماعيل السراج رئيس اللجنة الشعبية في مخيم سلواد والذي عاش فصول المأساة من بدايتها- أن يعمل على توسعة شوارع المخيمات الضيقة كي يتمكن من القيام بمهامه في الاعتقال والملاحقة والقتل داخل تلك الثكنات البشرية المدججة باللاجئين المهجرين. فتصدى السكان لذلك رافضين الخروج أو التزحزح إلا نحو قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام ثمانية وأربعين، سوى أن إصرار الاحتلال على جريمته وشروعه في هدم البيوت على جوانب تلك الطرقات والشوارع على رؤوس من فيها، دفع بالناس إلى الهجرة مجدداً رغماً عنهم تحت وقع ضربات الجرافات ورصاص العدو المساند. فهجر الآلاف من المخيمات مجدداً، بعضهم نحو الضفة الغربية والبعض الآخر نحو الأردن وجزء توزع هناك في القطاع كما يقول الحاج عباس عباس الذي عمل مختاراً لمخيم سلواد منذ إنشائه عام 1972م بعد أن فقد بيته في مخيم البريج. وقد عمّت هذه الجريمة كل مخيمات القطاع، أما أولئك الذين اضطروا إلى الرحيل نحو الضفة الغربية فقد سكنوا قبلها مخيمات النصيرات والبريج والشاطئ والمغازي. لم يكن الأمر بأيدينا كما يقول أبو نعمان ( 65عاماً) من سكان المخيم فقد هُجّرتُ سنة ثمانية وأربعين من مدينة اللد وعمري خمس سنوات، وجئنا إلى رام الله ثم توجهنا نحو غزة ثم رفح إلى أن استقر بنا المقام في مخيم المغازي قبل أن نضطر إلى الرحيل مجدداً سنة 1972م إلى مخيم قدورة في رام الله حيث سكنا السقائف المهترئة هناك، ومن ثم حطت رحالنا في مخيم سلواد بحثاً عن حياة أفضل أو أقل سوءاً ولا زلنا حتى اللحظة، كانت رحلة عذاب فرضها الاحتلال علينا ولم نخترها لأنفسنا.

 

المخيم تحت سلطة مكتب أملاك الغائبين في حكومة الاحتلال

قبل سقوط الضفة الغربية بيد الاحتلال عام 1967م كان هنالك معسكر للجيش الأردني على مدخل بلدة سلواد،  وبعد هزيمة ذلك العام تم نقل ملكية مكان المعسكر إلى حكومة الاحتلال ضمن ما سُمّيَ آنذاك أملاك الغائبين كما يقول محمود الجمل رئيس نادي مخيم سلواد. وبالاتفاق بين الاحتلال ومؤسسة كندية تم بناء العشرات من الشقق السكنية الصغيرة وعرضها على أولئك الذين أخرجوا من مخيمات غزة في إطار المشروع المذكور أعلاه والذي أطلق عليه مشروع شارون وفق ما أورده السراج. وبعد أن سكن جزء من المهجرين في مخيمات قدورة والأمعري والجلزون وقلنديا أعلنت الحكومة الصهيونية آنذاك من خلال مكتب أملاك الغائبين عن وجود شقق لمن فقد بيته مؤخراً من الغزيين وفق ما يتذكره الحاج عباس، ولم يكن التفاعل مع هذا المشروع كبيراً بل نظر الناس إلى ذلك الإعلان بعين الشك والريبة مما دعا جزء قليلاً فقط من أولئك الذين كانت أحوالهم المعيشية في الحضيض كي يذهبوا لاستطلاع الموقف وأخذ الشقق حسب حجم العائلة التي تتقدم بطلب لذلك. وهناك كانت مفاجأة السكان الجدد حين وجدوا أنّ عليهم دفع أجرة لمكتب أملاك الغائبين الصهيوني بمعدل خمس دنانير سنوياً لقاء سكنهم وهو ما ووجه باستنكار من الأهالي الذين جاءوا على أساس (التملك) لا الإيجار أسوة بباقي مخيمات الوكالة وفقاً لذات المصدر. ولكن بعد المقارنة بين السقائف التي كانت تدلف على رؤوس ساكنيها في قدورة والجلزون والامعري والوضع الجديد على سوئه وافق الناس على دفع هذا المبلغ الزهيد في نظرهم آنذاك لقاء حصولهم على بيت بمساحة خمسين متر مربع وهو ما فتح شهية الاحتلال ليرفع كلفة الإيجار شيئاً فشيئاً حتى وصلت نهاية الثمانينيات ( 950 ) شيكلاً سنوياً كنوع من الابتزاز الرخيص لأولئك اللاجئين على حد تعبير المختار، مما حدا بنسبة لا يستهان بها من الأهالي للتمرد وعدم الدفع وهو ما عرّضهم للمساءلة والتهديد من سلطات الاحتلال وعدم الاستقرار.

وبعد أن كان مقرراً بناء المئات من الوحدات السكنية على تلك الأراضي التي تصل وفقاً للسراج إلى حوالي 40 دونماً توقف المشروع في ظل إحجام المهجرين عن الموافقة عليه، حيث آثروا العيش في مخيمات الوكالة أو النزوح إلى الأردن على التعاطي مع الأمر الواقع. علاوة على أن الاحتلال لم يكن يهدف كما ادعى آنذاك أن يوفر مسكناً بديلاً لكل من فقد مسكنه في إطار مشروع شارون بقدر ما كان يفعل ذلك ذراً للرماد في عيون العالم موحياً بإنسانيته المفقودة من خلال توفير (مسكن) بديل لكل من (اضطر) الاحتلال لهدم بيته حسبما يقول السراج، فلما رأى المحتل أنه يمكن إيصال هذه الرسالة بالعدد المحدود من الشقق التي تمّ بناؤها وبالحجم البسيط من السكان الذين تم استيعابهم أوقف هذا المشروع وفقاً لبعض المحللين، بل أخذ يتقاضى من السكان أجرة ويرفعها كل عام. كما ضيق الخناق على المخيم وعلى كل الفلسطينيين شرق رام الله عندما لجأ المحتل لاحقاً إلى إقامة مستوطنة تدعى (مستوطنة عوفرة) مقابل المخيم وهي من أكثر المستوطنات تطرفاً وإرهاباً للسكان وفقاً لذات المصدر.

وبعد أن تسلمت السلطة الفلسطينية مكتب أملاك الغائبين- يقول المختار- لم تعد تأخذ من السكان بدل السكن في الشقق التي يقيمون بها في المخيم،  وتم ترحيل ملف المخيم ارتباطاً بالملف الكلي المتعلق بمصير عموم سكان المخيمات، حيث اعترفت وزارة الإسكان بالمخيم أسوة بالمؤسسات الفلسطينية الأخرى وبقيت وكالة الغوث الدولية خارج هذا الاعتراف كما أفاد السراج وآخرون.

 

الأرض الحكومية بين البلدية والمخيم

بدأت معاناة اللاجئين مجدداً مع أول يوم وطئت فيه أقدامهم أرض المخيم على مدخل قرية سلواد، فالأرض التي أقيم عليها المخيم هي أرض حكومية بالأساس، ولأهل القرية أولوية في الاستفادة منها لا سيما أنّ قسماً يزيد عن نصف السكان في القرية هم أساساً لاجئون منذ العام 1948م عانوا ما عاناه سكان المخيم مع بعض الفروق وفقاً لأقوال رئيس بلدية سلواد. إلا أن رغبة الاحتلال في تعكير جو العلاقات بين أبناء الشعب الواحد وتعمد إفسادها في كثير من الأحيان جعلهم يخصصون هذا المكان المحاذي للبلدة لغير أهلها، وهو ما كان أساس بعض الحساسيات التي تولدت لاحقاً بين سكان البلدة والمخيم وتطورت بعد مجيء السلطة الفلسطينية، إلى أن وضع حد لهذه الخلافات نهاية العام 1999م عندما وضعت بلدية سلواد يدها (عنوة) على الأرض الحكومية غير المأهولة     - والتي يعدها سكان المخيم جزءاً من مخيمهم- عبر بنائها سوراً يفصل بين سكان المخيم وبين تلك الأرض، وبالتالي ذهبت الأرض الحكومية المأهولة لساكنيها من أبناء المخيم بينما حولت البلدية الأرض غير المأهولة إلى مكان أقيمت فيه مدرسة وملعب ومسجد لخدمة البلدة والمخيم على حد سواء كما ذكر لنا رئيس بلدية سلواد نائل حامد. وهكذا تمّ وضع حد لنقطة الخلاف التي عكرت صفو العلاقات بين الجانبين على مدار سنين عديدة باستخدام الأرض للصالح العام بدل أن يضع أحد يده عليها لصالحه الشخصي مستغلاً نفوذاً هنا أو هناك. وقد نفى حامد نفياً قاطعاً ما ردده بعض سكان المخيم عن وجود نية عند البلدية سابقاً بإقامة إستاد رياضي مكان المخيم نظراً لصغر حجمه مؤكداً أنه لم يكن هناك أي توجه رسمي لذلك بل ربما كانت أفكاراً شخصية عند البعض نرفضها وندينها بقوة. كما عزا حامد بعض الحساسيات إلى وجود المخيم متاخماً لحدود البلدية ومسؤولية البلدية عن الشوارع الرئيسة المحيطة به حيث جعلها ذلك  تقف بالمرصاد للتعديات على القانون البلدي الذي لا يجيز على سبيل المثال البناء دون ارتداد لخمسة أمتار عن الشارع الرئيسي للبلدة، وهو ما رآه بعض سكان المخيم محاولة لفرض قانون البلدية عليهم خلافاً لرغبتهم، في الوقت الذي يفتقدون فيه أساساً لأرض يتوسعون فيها خلافاً لما عليه الحال عند سكان بلدة سلواد. هذا ينفيه أيضاً رئيس البلدية مؤكداً أن البلدية لا تجري أياً من قوانينها داخل المخيم بل إن ذلك منوط بسكان المخيم ممثلين بلجنتهم الشعبية كما يؤكد السراج أيضاً. وعلى الرغم من ذلك فقد تجاوز الطرفان تلك الحساسيات إلى حد بعيد وتربطهم الآن علاقات مصاهرة ونسب ومصالح وأخوة كما ورد في أقوال الحاج أبو نعمان حيث تناسينا حالياً وتزاوجنا ولا نحمل تجاه بعضنا سوى مشاعر الاخوة والاحترام والتقدير.

 

الحرمان من الحق في الخدمات

بحكم أن المخيم صغير خلافاً للمخيمات الرسمية الأخرى فهو يفتقد إلى الكثير من الخدمات وأبرزها وجود جهة رسمية مسئولة يتوجه إليها السكان لحمل معاناتهم إليها. فالوكالة لا تعترف بالمخيم كونها لم تبادر إلى إنشائه كما درجت عليه العادة في إجاباتها إزاء هذا الوضع، وبالتالي يفتقد السكان لتلك الخدمات التي يتمتع بها سكان المخيمات الرسمية الأخرى. وهم يعيشون ظروفاً معيشية صعبة حيث لا يتلقون خدماتهم الصحية بشكل يومي منتظم بل تأتيهم عيادة الوكالة المتنقلة مرة كل شهر لتعاين أصحاب الأمراض منهم في مقر اللجنة الشعبية في المخيم كما يقول أبو نعمان 66عاماً من ( اللد)، وعدا ذلك فهم مضطرون للجوء إلى العيادات الصحية الموجودة في مخيمي الجلزون والامعري وفقاً لمحمود الجمل. أما رئيس بلدية سلواد فيقول بأننا توجهنا للجهات المعنية من أجل إقامة عيادة دائمة في المخيم إلا أن ذلك لم يلق التجاوب من قبل المعنيين. أما التعليم فلا توجد في المخيم أية مدرسة سواء تابعة للوكالة أم الحكومة، وما يتوفر هو مدرسة ابتدائية للإناث تابعة للوكالة في بلدة سلواد المتاخمة للمخيم والتي كانت قد أنشئت منذ الخمسينات، حيث يضطر سكان المخيم لإلحاق بناتهم بها بينما يتوجه ذكور المخيم للتعلم في  مدرسة الحكومة القريبة. فيما يتعلق بالمعونات الأخرى كالمؤن وغيره فقد كانت الوكالة توزعها في المخيم مباشرة بشكل دوري إلى أن انتهى ذلك منذ نحو ثلاثة أعوام وتحديداً بعد مشكلة نهر البارد بلبنان وفق ما ذكره الحاج عباس.

أما خدمة رفع النفايات فلم تكن بلدية سلواد لتقوم بها من قبل، كما لم يوفر الاحتلال هذه الخدمة للسكان في ظل غياب وكالة الغوث. وقد بقي الحال على ذلك إلى أن تم الاتفاق مع البلدية - كما يؤكد المختار- كي تقوم هي بهذه المهمة مقابل مبلغ يفرض على كل عائلة في المخيم. وعلى الرغم من الديون المتراكمة على السكان جراء ذلك إلا أن البلدية مستمرة في خدمتها تلك معبرة عن مسئوليتها إزاء السكان كما أكد لنا رئيسها. أما باقي الخدمات في المخيم فهي من مهام اللجنة الشعبية التي نجحت في تجنيد العديد من المشاريع التي تعود على المخيم بالفائدة كما يقول رئيسها السراج.      

 

المعاناة مستمرة.. والرحمة مطلوبة

كانت حياة هؤلاء اللاجئين عذاباً وتشرداً ابتداء من النكبة مروراً بالتهجير بعد العام 1967م وصولاً إلى هذه اللحظة حيث تخللتها فصول أخرى من المعاناة اليومية. فقد واكب سكانَ هذا المخيم شعور بالاغتراب الداخلي فضلاً عن معاناة الاحتلال، فكثيراً ما شعروا أنهم غير مرحب بهم من قبل الجيران، ويعبر الحاج أبو نعمان عن سبب ذلك قائلاً " إنّ الجسم لا يقبل شيئاً غريباً " طالباً مني أن أفسرها كما أريد، في إشارة إلى موقف جيرانهم المجاورين. وعلى الرغم من انتهاء هذه الحساسيات إلى حد بعيد إلا أن رواسب ذلك لا زالت موجودة ويمكن تلمسها لا سيما بعد تفاقم مشكلة الأرض الحكومية التي وضعت بلدية سلواد يدها عليها منذ سنوات، حيث عزز ذلك الشعور بناء البلدية في أوج الأزمة سوراً بين المخيم والأرض المتنازع عليها للحيلولة دون تمدد المخيم نحوها كما يقول السراج وغيره، ورغم أن السور غدا جزءاً من السور المحيط بالملعب والمدرسة التي تخدم كلا الطرفين كما تقول البلدية إلا أن شعوراً بالغبن لا زال يراود البعض من سكان المخيم.

ومع وجود الفارق الكبير بين سكان الضفة والقطاع من الناحية الاقتصادية فإن سكان المخيم يعانون ما تعانيه سائر المخيمات من فقر وبطالة وتراكم لديون الكهرباء أو الماء. إلا إنّ حياتهم أفضل كثيراً - بما لا يقبل المقارنة- من مخيمات غزة كما يقول أبو نعمان، حيث تتصل به ابنته التي لا زالت تسكن هناك مؤكدة له بحثهم عن الكاز والحطب كي يدبروا شؤون بيوتهم فضلاً عن فقدانهم كل مقومات الحياة. أما عن الاعتقالات في صفوف الشبان وأفعال الاحتلال العدوانية على المخيم فهي لا تعرف التوقف.  

 

 المخيم وفقاً للإحصاء العام سنة 2007م

 أنشئ مخيم سلواد وفق معظم المصادر عام 1972م ويقع على بعد حوالي 20 كم  إلى الشرق من رام الله كما يطلق عليه البعض (مخيم غزة). ووفقاً للتعداد العام للسكان والمباني الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2007م، فقد بلغ عدد سكان المخيم حتى نهاية العام ذاته (382) نسمة موزعين على (68) عائلة حيث بلغ معدل أفراد العائلة الواحدة 5.6 فرداً. ومن الملفت أن نسبة الذكور في المخيم أعلى من الإناث 129% ويعود ذلك كما يقول محمود الجمل إلى ظاهرة الزواج المبكر والقدر الإلهي حيث يغلب الطابع الذكري على الولادات الجديدة. أما سكان المخيم فهم موزعون على 61 مبنى أو 71 مسكناً بواقع 5.4 نفراً لكل مسكن. وبالنظر إلى عدد أفراد المخيم وفق تعداد العام 1997م حيث كانوا آنذاك (300) نسمة فإن نسبة الزيادة الطبيعية السنوية بلغت عبر السنوات العشر الأخيرة ما نسبته 2.7%. كما يوجد في المخيم (14) منشأة تقدم سلعة أو خدمة للسكان تبعاً للإحصاء المركزي. أما مساحة المخيم وفق سجلات بلدية سلواد فهي تبلغ 28 دونماً يعيش عليها هؤلاء اللاجئون. ومن المعلوم كما أكد رئيس بلدية سلواد ورئيس نادي المخيم بأنه لا توجد إحصاءات رسمية سوى تلك التي يعدها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والذي وجه له السراج انتقاداته على اعتبار أن عدد سكان المخيم اكبر من الرقم الذي أشار إليه، إلا أن غياب جهات رسمية أخرى تقوم بالمهمة وعدم قيام مؤسسات المخيم بعمل إحصاء دقيق من طرفها رغم صغر المخيم والجهود البسيطة التي يحتاجها ذلك تدعونا لتبني رقم الجهاز المركزي كونه الأكثر موثوقية في هذه الحالة وقد دعمه معظم من تحدثنا معهم.  

 

  

 


https://palcamps.net/ar/camp/87