الفنان من بلدة الزيب الفلسطينية، لم ينس فلسطين وجبال اللوز وبيارات المياه وأشجار الليمون والتين والعنب. يَستخدم فرشاته وألوانه ليضيف مناظر ملونة، نابضة بالحياة، لجدران مخيم البَص الذي يعيش فيه جنوبي لبنان.
نشأ الفنان مصطفى أحمد، المولود في فلسطين، مغرما بالرسم والفن منذ نعومة أظفاره. وعندما اضطر للجوء إلى لبنان مع أهله انتهى به الأمر بتعلم التصوير الفوتوغرافي وافتتاح أستوديو تصوير في مخيم البص، في ستينيات القرن الماضي.
رسم الفنان الجليل أكثر من 20 جدارية توزعت على جدران منازل ومدارس مخيم البص وكان أبرزها جدارية كبيرة، تعبر عن وادي القرن في بلدة الزيب.
أطلق على نفسه لقب «الجليل» لما لهذه الكلمة من معنى ودلالة وحتى يذكر الجيل الفلسطيني الجديد الذي يعيش اليوم خارج وطنه وفي المخيمات، بأرضه وبقضيته.
اليوم ما زال هذا المبدع يقيم مع عائلته في مخيم البص حيث كوّن عائلة فيها الدكتور المتميز والمهندس وفيها المصور الذي طور مهنة ابيه لتتماشى مع عصر التكنولجيا والتقدم ومنهم ما زال في المخيم ومنهم من هاجر كباقي شباب المخيم لكنهم يبدعون ويتميزون حيثما يتواجدون وأخبارهم في دول المهجر تدل على ذلك حيث يحيون التراث الفلسطيني ويرفعون من شأن القضيه الفلسطينيهة في المجتمعات الغربية.
أربعة وثمانون هو عدد السنوات التي أمضاها مصطفى أحمد، محاولاً تسليط الضوء، حرفيّاً، على الجمال في البشر والطبيعة ومأسلة شعبه وعدالة قضيته. وهو يؤكّد أنّه سيعيش ما عاشت رسومه وتصاويره على الجدران وفي بيوت الناس.
- ○ كيف بدأت مشوارك مع الفن؟
تعلمت أصول الرسم على يدي أستاذ فنان وأنا في الصف الرابع في فلسطين قبل العام 1948. وبعد اللجوء إلى لبنان التحقت بالمدرسة وأيضا تابعت دراسة بعض المبادئ البسيطة في فن الرسم، ولكني مع الأسف لم أستطع متابعة دراستي بسبب اضطراري للعمل لتأمين القوت اليومي لأهلي. عملت في الكثير من المهن منها قطاف الليمون ورش المواسم الزراعية والبناء، وأيضا تعلمت مهنة تمديد الكهرباء من خلال شخص عملت معه وصولا إلى عملي في محل للأدوات الكهرباىية إلى أن وصلت إلى تعلم مهنة التصوير وقد ساعدني في ذلك هوايتي (الرسم) ثم فتحت أستديو الجليل في 1960 وتطورت في عملي من خلال طباعة الصور وتلوينها وإضافة بعض الزوائد والرتوش على صور الأشخاص، ثم تنقلت كثيرا بسبب الحرب ذهبت إلى ليبيا، وعام 1970 اشتريت كاميرا فيديو وبدأت تصوير الأفراح وكنت من اوائل من عمل في هذه المهنة. وفي ليبيا 1980 عملت في مهنة تصوير الفيديوهات.
عدت إلى مخيم البص وقررت ممارسة الرسم، شغفي الأوّل، وتطويره. في البدء كنت استخدم ألواح الكانفاس لأرسم مناظر طبيعية أستعيد فيها ذاكرة المكان الأوّل، بحيرة الزيب في القرية الفلسطينية التي أتيت منها، قبل أن انتقل إلى الرسم على جدران المخيّم وجدران مدينة صور منذ عام واحد.
بعد أن عدت إلى لبنان عام 1994 وتابعت عملي في التصوير وقمت بتغطية أعمال مؤتمر وزراء العدل العرب في بيروت عام 1995 ثم قمت بتغطية العديد من الأحداث والنشاطات والفعاليات الثقافية والفنية والاجتماعية في بيروت، ولكن مع الأسف وبسبب جنسيتي الفلسطينية تم توقيفي عن العمل.
ورغم الواقع الصعب الذي نتعرض له وحالة الإحباط، اشتريت أدوات الرسم من جديد، وبدأت برسم وتجسيد الأحداث المحيطة بالمجتمع الفلسطيني وخاصة داخل المخيمات وأكثر ما جذبني في الرسم هي الطبيعة.
ولا شك بأن مظاهر الحريّة تتجلّى عندما تخلع عن ذاتك سلطة الوعي السلبي، فالذات الإنسانيّة، عندما تمتلك حريّتها، ستحلّق في سماء الإبداع والتميّز، مُفعمةً بالحياة، مليئةً بالفكر البنّاء. والحريّة، وإن اختلفت من إنسانٍ إلى آخر، فإنها إذا توهَّجت في الذات الإنسانية، ستتحوَّل إلى بركانٍ ليس لأحدٍ القُدرة على وقفه، ولو باستخدام أشدّ أدوات القمع وأساليب التّرهيب. إيمانا مني بكل ذلك، نفضت الغبار عن حياتي وعقلي لأهتم بانتمائي بوطني فلسطين لأرسم بريشتي أحلى الذكريات عن منطقة الجليل الأعلى وقرية الزيب شمال فلسطين.
○ ماذا تتذكر؟
•كنا صغارا يومها في فلسطين نتذكر طفولتنا والبيارات والحقول والأزهار والأشجار العالية، ولكن الحقيقة لا نتذكر الكثير لأننا خرجنا من وطننا أطفالا لكننا نعرف ما اطلعنا عليه من الكتب، وما تردد على مسامعنا من بعض الحكايات التي كان يقصها الآباء والأجداد ممن عايشوا النكبه وعذاباتها وذاقوا طعم المرارة والإهانة.
○ كيف رسمت معاناة اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيمات؟•منذ أن حملت ريشتي للرسم، كان في مخيلتي معاناة شعبي، وآلام اللجوء داخل مخيمات البؤس وخاصة في لبنان، حيث تعرض اللاجئ الفلسطيني لحرمان وتجويع وحصار وقتل واعتقال وتعذيب، حياة بائسة ومأساوية، ولا يمكن للفنان أن يرى كل هذه المشاهد المأساوية ولا يندفع لرسمها والتعبير عنها وتوثيقها من خلال لوحات، كما يوثقها السياسي والكاتب والصحافي والشاعر بقلمه وموقفه وكتاباته، لذلك فقد رسمت مأساة اللاجئين ليس من منطلق عذاباتهم فحسب، بل من منطلق إرادتهم وصمودهم وتمسكهم بحقهم بوطنهم وحقهم بالحياة الكريمة.
أمضي أوقاتي في رسم جداريات على جدران المخيم لأضيف مناظر جميلة نابضة بالحياة تشجع على ثقافة الحب والجمال وتلغي من عقول شبابنا ثقافة الكره والانتقام وللتأكيد على أن النضال الفلسطيني ليس بالبندقية فقط إنما في الريشة والصورة والقصيدة والأغنية والمقال .
لذلك أيضا رسمت كل هذه المشاهد بلوحات وجداريات، ليكون لي دور في التعبير عن حق شعبي بالعودة إلى وطنه وبحياة كريمة.
ولاشك بأن مشاركتي في معارض محلية وعربية ودولية وحفلات التكريم كلها تساهم في تسليط الضوء على مأساة الشعب الفلسطيني.
○ هل تلقيت دعما أو ثناء من الفصائل الفلسطينية؟أبدا لم يحصل هذا الأمر، ولم أتلق أي دعم أو مساعدة من أحد، لقد زينت الشوارع والمدارس في مخيم البص وفي مدينة صور ورسمت على الجدران، لم أجد الدعم المطلوب من المسؤولين السياسيين، وبسبب عدم انتمائي لأي فصيل فلسطيني لم أحظ بأي دعم.
○ برأيك ما أهمية الفن في حياة الشعوب؟الفن ظاهرة مهمة في حياة الفرد وفي حياة الشعوب. في حياة الفرد يجعله إنسانا يطور إحاسيسه ومشاعره وانتمائه، كما أن الفن يجعل الحياة راقية في المجتمعات، فالعلم دون فن لا يفيد. الفن يعطي جمالية للحياة، هناك ضرورة لرؤية الأمور الدقيقة في العمل مهما كانت المهنة، من هنا تأتي جمالية الفن، لأن الفن هو الاحساس المرهف والجميل، إن لم تشعر بأهمية العطاء فأنت لا تشعر بالفن، لا يستطيع زيادة أي لمسة نابعة من داخله.
○ وبالنسبة للإنسان الفلسطيني تحديدا، ما أهمية الفن في ظل الأوضاع المأساوية التي يتعرض لها؟
•الفلسطيني أكثر إنسان بحاجة للفن وللإحساس، للهروب قليلا من معاناته اليومية، ولأن الفن يجعلك تعيش اللحظة مع الآخرين أو مع مشهد طبيعي، هذا يساعد اللاجئ الفلسطيني على الصمود أمام معاناته، الإنسان عليه أن يعيش حياته بطريقة صحيحة.
○ كيف تأتي فكرة رسم اللوحة؟فكرة الرسم تبدأ من داخل العقل ومن الخيال، أحيانا تكون الفكرة غير مكتملة، تبدأ الأفكار بالتوارد وعادة ما يكون إحساس الفنان دليله لإتمام فكرة اللوحة. ليس كل من أمسك الفرشاة والألوان أصبح رساما وفنانا، لأن الفنان المرهف الحس يتفاعل مع كل خط من الخطوط التي يرسمها.
والهوايات بالعموم لها قوة علاجية رائعة، فهي تُبعدك عن ضغوط الحياة اليومية وتأخذك إلى الراحة والسعادة.