شخصية من المخيم


شخصية من المخيم
 
الست/ فتحية سيد نصار (حمدونة)
(روضة الست فتحية)
هي الطفلة التي ستغدو علماً يرفرف فوق المخيم، ليكون لها دور مهم في تعليم أطفال مخيم الشاطئ حروف الأبجدية الأولى، عرفها أطفال وكبار المخيم على مدى أجيال معتاقبة "بالست فتحية"، اسمها جاب كل البيوت وكل شارع وزقاق، الصغير قبل الكبير من أهل مخيم الشاطئ.
وُلِدَتْ صاحبتنا في حي المنشية في "يافا" عروس البحر الأبيض المتوسط العام 1937م. والدها "سيد درويش نصار"، والدتها "رئيسة أبو سمعان" من قرية حمامة، وأخواتها "جميلة، لطيفة ومريم".
استشرست العصابات الصهيونية بدعم من بريطانيا العظمى، دولة الانتداب البريطاني على فلسطين بحربها على المدن والقرى الفلسطينية، فكانت مدينة يافا هدفاً رئيساً لها، وكانت النكبة 1948م، فالهجرة القسرية لشعب فلسطين، ولم يكن أمام أسرة "سيد درويش" إلا أن تشد الرحال مع الكثير من الأسر اليافوية باتجاه غزة جنوباً.
في غزة حطت الأسرة في خيمة بمخيم الجميزات (منطقة العباس حالياً)، وكان لها خيمة أخرى اتخذت منها الفتاة "فتحية" كُتَّاباً لتُعلم الأطفال حروف الأبجدية الأولى وما تيسر من قصار السور وأعداد الحساب الأولى.، كانت فتحية قد تعلمت في يافا القراءة والكتابة والحساب بتفوق، لربما أنهت الصف السادس آنذاك، الأمر الذي جعل منها مُدرسة بعد اللجوء القسري، كان عمرها لا يتجاوز أحد عشر ربيعاً.
يحظى والدها ببيت من بيوت مخيم الشاطئ القرميدية في بلوك A ، الذي أنشأته وكالة "الأونروا" مع غرفتين وفناء خاص بالمدرسة الصغيرة التي واصلت بها الفتاة "فتحية" تعليمها للأطفال والصفوف الأولى في بداية العام 1951م.، تحت اسم "مدرسة الإحسان" إلى أن فتحت الأونروا مدارسها الابتدائية والإعدادية للآجئين، فتحولت مدرسة الإحسان في العام 1953م إلى "روضة الإحسان" لإعداد الطفل قبل دخوله الصف الأول الإبتدائي وتزداد صفوف الروضة، وتكون الست فتحية مديرتها، ويساعدها في التدريس كل من (مُدرسة من عائلة الشرقاوي، هيجر عبد الباري، مُدرسة من عائلة جهير، نجاح.....، أمين الفالح، ليلى أبو عيطة... وغيرهن، والروضة كانت مشتركة ذكوراً وإناثاً.
تتزوج الآنسة "فتحية" من الشاب المجدلاوي "يوسف عطية محمود حمدونة" في العام 1965م.، والذي كان موظفاً في البريد الحكومي بغزة، فأنجبا ولدين "سيد و وسام".،
كانت الست فتحية تمتاز بشخصيتها القوية وعلقها ولباقتها وإدارتها الفذة، كانت تجيد إلى جانب اللغة العربية اللغات الانجليزية والفرنسية والعبرية، الأمر الذي ساعدها في نسج علاقات مع المؤسسات الرسمية والمجتمعية، كان له تأثير على تقدم وابراز الروضة لتغدو مَعلَماً رئيساً يشار إليها بالبنان، فكانت الروضة مزودة بالمراجيح وكرة القدم وألعاب أخرى بمستوى العاب الطفولة. لم تكن اعاقتها وطرفها الصناعي لساقها اليسرى عائقاً أمام طموحها ونجاحها في رسالتها التعليمة، كانت قد بُترت ساقها اليسرى من فوق الركبة بسبب حادث تعرضت له في طفولتها في مدينه يافا.
لقد استطاعت الست فتحية بعلاقاتها ومكانتها المتقدمة وسمعتها وصيتها الذي جاب فضاء المخيم كما على المستوى الرسمي، حتى وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة 1967، إلا أن أجواء الانتفاضة الشعبية الكبرى 1987م وظروف الاضرابات ومنع التجول والإغلاق الذي كانت تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على مخيمات ومدن قطاع غزة، كما لم تسلم الروضة من بطش الاحتلال، حيث أمر بإغلاقها، الأمر الذي أثر سلباً على نفسية الست فتحية، فجلست في بيتها ملتزمة بصلاتها وعبادتها ومساعدة أولادها في تربية أحفادها.
لقد تعلم في روضة الاحسان التي تُديرها الست فتحية الآلاف من الأطفال، الذين تأسسوا على مقاعد الروضة، نمو وكبروا وشقوا طريقهم في الحياة، فكان منهم المدرس والطبيب والمهندس والكيميائي والفنان والمدير والوزير والعامل الفني والفدائي الثوري وآخرين. كان توقيع الست فتحية على شهادات الخبرة معترف به لدى الكثير من المؤسسات الوطنية والعربية في الخارج، لقد كانت علماً يرفرف على كل بيوت المخيم.
من أناشيد وأغاني الروضة:
* تحية الصباح:
ست فتحية يا عيوني...
ياللي لابسه الكموني
لما تدخل على الصف...
زي الأم الحنوني
* الزهرة:
زهرة حلوه في ايدي...
يا تُرى لمن أهديها
لمعلمتي راح أهديها...
علشان تشم فيها.
... وغيرها الكثير الكثير.
لقد أدت الست فتحية رسالتها في الحياة، لم يكن أبناؤها فقط سيد ووسام (سيد تخرج من دار المعلمين بغزة، أما وسام فأنهى الثاني الثانوي ليخرج إلى سوق العمل فني بناء وطوبار.، تزوجوا وكونوا أسرهم، لهم من الأولاد والبنات، هم أحفاد الست فتحية)، بل كان كل أطفال الروضة أبناءها.
كتب لها الله زيارة الكعبة المشرفة وقبر الرسول محمد، صلوات الله عليه، قبل أن يُقعدها المرض، وتصعد روحها الطاهرة إلى خالقها في 30 يوليو 2001م.
رحم الله الحاجة/ فتحية نصار - حمدونة رحمة واسعة وأسكنها جنات النعيم.
( ملاحظة: مرفق صور بعض صفحات سجل الروضة في العام 1963، أسماء الأطفال وتسديدات الرسوم.
صفحات بعض الأناشيد والاغاني، صورة الست فتحية تلقي كلمة في إحدى احتفالات الروضة. صورة لها مع تلاميذ الروضة، صفحة من سجل زوار الروضة...)
أ.محمود ورقة


https://palcamps.net/ar/post/143