المخيم في روايات غسان كنفاني (2) وائل غالب بياعة -محمد أحمد زغموت خالد محمد بكراوي


المخيم في روايات غسان كنفاني (2) وائل غالب بياعة -محمد أحمد زغموت خالد محمد بكراوي

المخيم في الرواية الفلسطينية:

إذا كانت الكتابة في الرواية، تنطلق من هاجس ومحاولة تقديم الوعي، وزيادته وتعميقه، في الذات والواقع، فإن الرواية ذاتها لابدّ لها أن تكون، حينذاك، متجهة نحو مجتمع محدد، ذي خصوصية تاريخية وجغرافية.. نحو مجتمع يشهد تحولاته التاريخية الكبرى، التي تصنعه أو تهدره، التي تزيد تماسكه أو تفتته[1].

والرواية كفعل إبداعي، إنما تسعى لتفسير وتبيان السببية الكامنة وراء هذه التحولات، ورصد العلائق الكامنة والناسجة، لهذه التحولات، والنفاذ إلى حقيقة هذه السببية وتلك العلائق.. وهي إذ ذاك تستحق أن نقول عنها "فن الشعوب" والفن الذي يعطي معرفة ما (البعض يقول معرفة موضوعية) للواقع بكل تجلياته وتناقضاته، وسيرورة الزمان منذ البدء الماضي، إلى الآن الحاضر، وصولاً إلى أفق المستقبل واستشرافاته..

وهي في إطار تأسيس حضورها، وبناء هويتها، تنسج علاقتها مع القارئ، الذي يقترب منها كلما لامست قضاياه، ووجد نفسه في تلافيف هذا العمل.. وهي تخلد في ذاكراته، كلما استطاعت أن تفتح ساحات الصراع النفسي والاجتماعي أمامه، فتعيد صياغة الواقع الذي يعيشه القارئ، ربما وتنفذ إلى باطن هذا الواقع وتفسره وتقدمه بصيغ جمالية، وفق حوامل فنية ماتعة، من ألفاظ وصور وأحاسيس ومشاعر.. وكلما نجحت في تقديم الفرد في أحضان الجماعة، وحركة الزمان بتأثيراته على المكان والناس، وحركة المكان بتساوقه مع مضي الزمان..

الرواية التي تريد أن تتقاطع مع التاريخ، في مراحل معينة منه، وتعيد إعادة إنتاجه، لابدّ لها من أن تلتقط لغوياً وفلسفياً، وبرؤية دقيقة، علاقات ذاك الواقع في لحظته التاريخية تلك،[2] وتقوم بقراءتها بشكل حصيف، ينفذ إلى جوهر الأشياء، ولا ينشغل بالمظاهر، ولا يطاردها، فتتمثل فيها خلاصة المعرفة البشرية، وتألق التعبير اللغوي.

لنسأل أنفسنا: ألم يكن هاجس الروائي الفلسطيني، منذ البدء، حمل هذه المهام على عاتقه، وعاتق فعله، ونصه الإبداعي؟.. ونجيب أنه ما من شك أن الرواية الفلسطينية حايثت حركة المجتمع الفلسطيني، ورصدت مجمل التحولات التاريخية في حياة الشعب، وطبيعة العلاقات المتشابكة، والمؤثرات والتأثيرات، التي فعلت أو نجمت خلال ذلك. وفي سياق مهمتها هذه، كان من المنطقي تماماً أن تتجلى في غير رواية، ظهورات متباينة للمخيم، بل وأن تنصب بعض الروايات، في جل همها، على تناول ظاهرة المخيم، تسجيلاً أو بحثاً أو كشفاً أو نقداً، الأمر الذي دفع إلى ظهور التشابكات والتفرعات المتعددة، لآليات وطرائق، وزوايا التناول والرؤية للمخيم. وقد وجدنا أن:

1- هناك روايات شكل المخيم موضوعها الكلي والأساسي، أو المحور الذي تدور عليه.. ومن هذه الروايات ما عمد إلى:

أ) القيام بعملية تسجيل (ما يشبه التأريخ) للمخيم منذ ولادته، وأعني بولادته وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى تلك المنطقة التي تحولت فيما بعد إلى المخيم، أو تلك اللحظة التي شهدت نهوض الخيمة الأولى في المخيم، ومن ثم متابعة سيرورة الوقائع والحوادث التي حصلت في المخيم عبر العمر الزمني الذي ترصده الرواية.

ب- التقاط مفاصل تاريخية معينة من حياة المخيم، وتناولها من خلال العمل الروائي، والدوران في فلك المفصل التاريخي هذا، أو المفاصل تلك، كزمان، وفي فلك المخيم، كمكان.. ويمكن أن تكون هذه المفاصل متتابعة تاريخياً، أو متباعدة متقطعة.

ج- تناول الفاعلية المجتمعية في المخيم، من خلال رصد تطورات السلوكيات والمواقف والوعي، وتدرجه وانفتاحه على حقيقة المشكلة التي يحيا المخيم في ظلها، والتركيز بالتالي على مدى فاعلية البشر وتطورها خلال سنوات حياة المخيم التي انصرمت.

2- هناك روايات كان المخيم جزءاً من موضوعها: ويختلف هذا الحضور بين كون المخيم أحد مفردات العمل الروائي وبين كونه في خلفية الأحداث. وسنجد من الروايات ما كان حضور المخيم فيها عابراً غير مؤسس ولا معتني به، فلم يكن في صلب اهتمام الروائي.

3- غالبية الروائيين عمدوا إلى تسجيل فيض من تجاربهم الشخصية، حيث تحدثوا عن تلك المخيمات التي عاشوا فيها، وقدموا منها إلى عالم الإبداع باستثناءات محدودة، لذلك ظهرت التقسيمات الجغرافية، حيث كتب الأدباء الروائيون الفلسطينيون عن مخيمات محددة في كل من سوريا، لبنان، الأردن، الضفة الغربية، قطاع غزة. وغالباً ما كان منفى أو مكان لجوء الروائي، هو ذاته المخيم الذي يبني روايته عنه، مع ظهورات طفيفة لمخيمات أخرى، زارها الروائي أو استدعاها بحدث ما.

4- الروايات التي تتحدث عن مخيمات الوطن المحتل (مما وصل إلى يدينا) ركّزت على حديث انتفاضة المخيمات في وجه المحتل، وبعضها الآخر ركز على الفاعلية البشرية في هذه المخيمات في الوطن المحتل، وتصاعدها وانفجارها في وجه قوات الاحتلال الصهيونية، بعد النكسة والاحتلال في العام 1967.. مع ملاحظة أن بعض الروايات تناولت وضع المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل النكسة، أي عندما كانت تخضع للسلطات العربية (الأردنية في الضفة، والمصرية في القطاع).

5- هناك مخيمات معينة تكرر ظهورها في أكثر من عمل روائي، واختلفت صورة حضورها من رواية إلى أخرى، حيث ذهبت بعض هذه الروايات إلى تصوير وتسجيل حياة هذا المخيم، وذهب بعضها الآخر نحو تناولات مختلفة، بحيث يمكن أن تتكامل صورة هذا المخيم، الموزعة على أكثر من رواية، بينما غفلت الروايات عن عدد غير قليل من المخيمات، رغم أهمية تجاربها.

وبهذا نرى أن اتباع منهج واحد في رصد وتناول ظاهرة لمخيم في الرواية الفلسطينية لن يفي الموضوع حقه المناسب، والإحاطة به من كافة جوانبه، لذا فقد ذهبنا في عملنا إلى اتباع أكثر من طريقة، بحسب الاتجاهات والتوجهات والظهورات التي لمسناها، ومن ثم عمدنا إلى إعادة تنسيق ما توصلنا إليه تحت عناوين متتابعة رغبة في زيادة التوضيح في هذا الموضوع، وتقريب تناوله للقارئ بسهولة ويسر وبكثير من الفائدة، كما نطمح.

 

 

[1] دراج، فيصل، حوارات في علاقات الثقافة والسياسة، دائرة الإعلام والثقافة (م.ت.ف)، دمشق،ص33

[2] المرجع السابق، ص27



https://palcamps.net/ar/post/181