وجدان من المخيم


وجدان من المخيم

أطفال الفول.
- زياد خداش

فرحٌ غريبٌ أُصاب به كلما رأيت طفلاً في المخيم يخرجُ من البيت ذاهباً إلى مطعم سميح حاملاً صحناً زجاجياً كبيراً فارغاً، ثم عائداً به مملوءاً بالفول، ضاجّاً بالسخونة والدخان، ما الذي في الفول والطفل ما يعطيني كل هذه الطمأنينة، والفرح الصغير؟.
ثمة شيء جميل يحدثُ أمامي كلَّ صباح.
طفلٌ لاجئٌ سعيدٌ يخرج؛ ليحضر سعادةً بسيطة لأسرة تحضّر الآن في البيت ما يتطلبه صحن الفول من زيت، وشاي، وبصل، وشطة، وبيض مسلوق، وخبز طابون هذا الفطور الهائل البسيط العادي المتوفر يصيبني بالدوار حين أتخيلني غارقاً فيه طفلاً مع أمي وإخوتي في سبعينيات القرن الماضي.
كل شيء يحدث في المخيم يحيّرني، هذا مكان غريب وغير طبيعي، وغير دائم كما يُفترض، ما يحدث في هذا المكان المؤقت يثير دائماً داخلي حساسية خاصة، حساسية سعيدة ممتعضة متأملة هادئة، وصاخبة.
أشياء لطيفة تحدث في المخيم كل صباح، منها هذا الطفل بصحنه الفارغ مرةً، وبصحنه الممتلئ مرةً أخرى، أحب هذا الصباح، أحب المخيم، أحب الأطفال وهم يعودون بهذه المتع البسيطة إلى عائلاتهم التي هُجّرت من آلاف الدونمات التي سرقها المحتلون قبل عقود.
أحب هذا الصباح، أحب المخيم، أحب أيوب الذي يُدخّن بشراهة، ويقف بانتظار سيارة تصحبه إلى عمله، أحب عامل النظافة الهادئ الذي لا يرد الصباح، أحب شبح (إم راشد) المرأة الطويلة التي لا تتوقف عن شتم الدول العربية.
أحب هذا الصباح، أحب المخيم، أحب السائق الذي أدفع له الأجرة، ولا يعيدُ لي نصف الشيكل الباقي، أسامحه مبرراً ذلك: ليضف هذا النصف شيكل إلى ثمن صحن الفول الذي سوف يشتريه ابنه غداً من المطعم.
أحب هذا الصباح، أحب المخيم، ولا أفهم أن يمتلئ المخيم بالمصانع والعمارات، وأفكر طويلاً بالقسم الغريب الذي يقوله أطفال المخيم لبعضهم تأكيداً على موقف ما: (وعرض أختي)، وأشتاق إلى الشيوعيين الذين اختفوا من المخيم، كانوا دمثين وكرماء الروح وأقرب الناس لتفكيري وذهني.
أحب هذا الصباح، أحب المخيم وهو يرفض أن يعترف بي ككاتب، أقل منطقة لي فيها قراء هي مخيمي ولا أفهم لماذا، لا أحب أني أعيش على أطراف المخيم، يطلقون على المكان الذي أعيش فيه جبل الديك وأحياناً يحسبوننا على أراضي قرية (دورا القرع).
أحب المخيم وأكره قصصي التي كتبتها عن المخيم، كانت ملفقة وذات بريق خارجي، بلا حرارة وبلا حياة، وأتضايق كلما جلست في مقهى المخيم مع صديق ، يسأل صديق لصديقي: مين الشاب اللي معك؟.
أحب هذا الصباح، أحب المخيم، أحب سميح اللداوي، ملك الفول في المخيم وهو ينفعل من منظر تدفق الصحون على وجهه ويصرخ في وجوه المتدفقين: بالدور مشان الله يا عمي بالدور.
أحب الصحن الزجاجي في يد الطفل فارغاً ووممتلئاً، أحب أسرته اللاجئة وهي تنتظر.
أسرته التي هي أسرتي، أسرته التي هجرت من آلاف الدونمات التي كان يمكن أن يبنى عليها مطعم فول لملك فول آخر مجهول، شخص منفعل



https://palcamps.net/ar/post/189