دقائق في المخيم


دقائق في المخيم

 

  دقائق في المخيّم

 

  ثلاث صبايا لا تفارقهنّ الابتسامة، يقفن على عتبة بيتهنّ في مخيم الشاطيء يسترقنَ النّظر للشارع من وراء ستارةٍ مثبتةٍ بالباب بإحكام.

الأختان بيروت "14 عامًا" وملك "17 عامًا" أبو سويلم، وابنة عمهما زينا "19 عامًا"، كُنّ على استعدادٍ للخروج في رحلةٍ خاصة بالصبايا على شاطئ البحر، لكنهنّ بانتظارِ الأب ليرافقهنّ فتطمئن قلوبهنّ إن تأخر الوقت وأظلمت السماء، إنهنّ لا يخرجنَ أبدًا إلا سويةً، فالصداقة بينهنّ أعمق من القرابة.

تصعد ثلاث درجات قبل أن تصل عتبة البيت وساحته التي ظللها جزءٌ من شجرة الجيران العالية.

في الثمانينات، كان يقابل هذه الدرجات "حُوْش" صغير مسوّر ببعض الأحجار فكان الجِلسة الأجمل للجدّة اليِبناويّة خديجة وجاراتها اللواتي لطالما حلمنَ بالعودة لقراهنّ التي هُجِّرنَ منها عام 1948 على يد الاحتلال الصهيوني، لكنهنّ فارقنَ الحياة واحدةً تلو الأخرى دون أن يتحقق الحلم.

لقد شهد "الحوشُ" المئات من القصص التي كانت ترويها الجدّات عصر كل يوم، كُنّ يأتينَ بإبريق الشاي السّاخن، مشروبهنّ المفضل، والفطائر أو الكعك الذي يصنعنه بأيديهن، إن توفّر، فتتوالى الحكاية تلو الحكاية.

لم يكُنّ يغادرنَ لبيوتهنّ إلا بدخول موعد "الطوق الأمني" اللعين الذي كان يفرضه الاحتلال الصهيوني يوميًا من الساعة الثامنة مساءً وحتى السابعة صباحًا.

أما والد "بيروت" فكان طفلًا آنذاك وفي كثيرٍ من الليالي ينام على حجر أمّه مستأنسًا بحديثها وصوت ضحكتها في الحوش.

و"بيروت" اسمٌ أطلقته الجدّة "خديجة" عليها، كانت تحبّه كثيرًا بلا سبب يذكر، أما هؤلاء الجميلات الواقفات على باب البيت واللواتي التقيتهنّ صدفةً وأنا أدور في مخيم الشاطئ لاقتناص قصةٍ بين أزقّته، فعلاقتهنّ بالمخيّم علاقة متينة، فيه وُلِدنَ وفيه ركضنَ ولعبنَ مع بنات الجيران لعبة الحجلة والغميضة وغيرهما دون أية حدود" كنا نجري ونلعب ونصرخ ونضحك بأعلى صوتِنا دون أن يمتعض أحدٌ أو يعترض".

في المخيم إذا ما سندتَ ظهرك على جدار البيت فكأنك سندتَ ظهرك على ظهر جارك فلا فاصل بينها غير جدارٍ المخيم القديم، وإذا تحدثت فكأنك تُحدّث جارَك، إنه يسمعك كأنه معك، لذلك وجب الانتباه لبعض الأسرار التي لا يجب أن يعلمها الآخرون.

لم يكن الجدار قديمًا أسمنتيًا كما اليوم، إنما من "الزينكو" وكان عبد الجبار العم لأولئك البنات مطلوبًا للاحتلال الإسرائيلي في عهد احتلالِه قطاع غزّة، وقد سُجن ستّ سنوات، فإذا ما اقتحم الجنود بيته قفز على الفور لبيت الجيران دونما استئذان أو حرج، وبدورهم يساعدونه في التخفي أو الهرب، كأن البيت واحد.

وأحيانًا يتحدث أبناء الجيران مع بعضهم البعض من وراء هذا الجدار كأن تسأل إحداهنّ جارتَها عن طبق زيتون أو فلفل أحمر أو أي شيء آخر، ثم ترسله مع طفلةٍ صغيرة على الفور.

أما شجرة الظلّ في بيت الجيران ذات الاسم الغريب والمتعارف عليه بـِ "زنزلخت"، فإنها تظلل البيتين وتسترهما، وإن تساقطت أوراقها فلا مشكلة من تكنيس ساحة البيت غير المبلطة يوميًا، لقد كانت عاليةً وارفة الظلال من خلف زينا وابنتيّ عمها، تنتظر عشاق القهوة كي يستظل بها ويستشعر بعظمة خالقِها.

بالمناسبة زينا أنهت الثانوية العامة هذا العام ومحتارةٌ في اختيار قسم الإعلام أو إدارة الأعمال، وأظنّها بعد لقائنا هذا ستختار الإعلام، لقد كانت مفعمةً بالمرح والأمل.

هؤلاء البنات يشعرن بحب كبير للمخيّم ذي الشوارع الرفيعة والستائر المسدولة على أبواب البيوت والملابس المنشورة بموازاة الجدران، هذا الحب كما أخبرنني نابعٌ من طول السنوات الذي قضينَها فيه وكثرة المواقف والذكريات المرتبطة بالمكان ليس إلّا، أما "الحُب الحقيقي الرّوحي والذي لا ينتهي فهو مرتبطٌ بـ"يبنا"، أرض الأجداد المسروقة، القرية الخضراء الآمنة التي استولى عليها المحتل الإسرائيلي قبل سبعين عامًا وقتل أهلها وروّعهم".(1)

 

1-كتبت/ حنان مطير  ( http://www.sabq24.ps/index.php/news/32011 )

 



https://palcamps.net/ar/post/42