4/7/2020م
إعداد وتقديم: ريم أحمد المغربي / ربا الأطرش
قامت موسوعة المخيمات الفلسطينية بعمل لقاء مع صاحب اليد الذهبية زكي سلام نحات فلسطيني ،عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في دمشق واتحاد الفنانين الفلسطينيين في سوريا، تميز بأسلوبه المنفرد، يعشق ترجمة مابخاطره في البرونز والخشب والطين والرخام، شارك في عدد من المعارض بسوريا وحول العالم.
فنان تشكيلي (نحات) ولدت في جوبر ريف دمشق 1958 من أبوين فلسطينيين من الطنطورة قضاء حيفا، خولة الفلو واسماعيل سلام، الذي كان له تجارب في حرفة النحت ونسخ التماثيل والرسم والتصوير الضوئي. أعطاني هذا الشغف الأول بالفن وفرصة للتعلم التقني والتجريب، ونزعة طفولية للعب بالطين جعلت بدايتي مع الكتلة مبكرة، ولمكان الطفولة والنشأة الأولى بلا شك دور هام حيث كانت الحرف اليدوية وأغلبها يميل إلى الفن التطبيقي مزدهرة جداً تتبعتها وعملت في بعضها بذلك المكان حيث الخبرة الأولى والدهشة الأولى والدرس الأول قبل أن ننتقل إلى مخيم اليرموك الذي أضاف لي خبرات من نوع آخر.
لست من الذين يعتقدون بالوحي والإلهام والطقوس الخاصة لانتاج الفن، اعتقد أن ذلك شيء معرفي وتطوير بالممارسة والعمل اليومي وتربية للذات على رؤية واحساس وخيال من نوع ما. في الموضوع يوجد محفزات للبحث مثل مراقبة المجتمع والمحيط ...إلخ
ما من تأثّر مباشر ولنقول أنه إعجاب دون الذهاب إلى الإنجذاب الكبير والتقليد، ولم يكن هذا التأثّر ثابتاً في نقطة ما بل متغير بحسب التطور الثقافي والمعرفي مع الزمن. أعجبني بدايةً النحت اليوناني ثم النحات الأكثر شهرة مايكل أنجلو في فترة دراستي علوم التشريح وما شابهه، ثم رودان، ثم التعبيرية الألمانية، فالنحت المصري والرافدي على التتالي. لم أنظر يوما إلى فن معين على أنه يمثل الكمال بالنحت، وإنما تجذبني صفات محددة في هذا النوع أو ذاك، وبالطبع مازالت هذه الفكرة قائمة لهذا اليوم بهذا المنطق.
لا أعتقد أن الفن صورة للواقع، ربما الواقع يعطي فكرة أو مضمون للعمل، إنما الخيال هو أساس الشكل حتى في أشد حالات النحات اقتراب من الواقع( حين يكون للنحات موديل يستلهم من شكله وحركته ونِسبه) نلاحظ أن الفنان ينظر إلى شكل الموديل ويذهب ليضع لمسة على العمل دون أن ينظر إلى الموديل وإنما هي من خياله الذي اختزن اللقطة من رؤية معينة وبالتالي الجميع يذهب إلى خياله في انجاز العمل الفني سواء نظر إلى الموجودات كمرجعية أو صاغ موجودات من خياله الصادق بسبب رؤيا ما للفن ومخزون بصري كبير وأنا مع التوجه الثاني في الغالب.
الجانب الوجداني بالدرجة الأولى قادر على انتاج نوع من الجمال أقرب إلى النفس، وبالعموم اعتقد أن رحم الفن الحقيقي الخيال الصادق وأن الفن هو تعبير ورؤيا تفصح عما يدور في وجدان منتِجِه كرسالة إلى المتلقي.
سأبدء من الشق الثاني من السؤال، لا يوجد مادة أفضل من مادة في التعبير عن موضوع، وهناك من يمتلك الحرفة تجاه مادة واحدة ويذهب بها إلى نهاية المطاف كنحات على الخشب مثلاً وفقط، المشكل هو فهم طاقة المادة في علاقتها مع الشكل هنا نعم يوجد مواد لها القدرة على حمل بعض الأشكال أكثر من مواد، النحات بالمجمل قادر على وضع حلول تقنية لحل المشكل، فالخشب مثلاً له شكل الشجرة بدايةً والنحات محكوم أن ينتج من شكل الخشبة هذه شكل تمثاله وتقنياً يمكن للنحات لصق عدة قطع من الخشب لتجاوز المشكل...
هناك آليات ومنهج هو الأساس الكلاسيكي في انتاج النحت، كأن نصنع الدراسة أو الماكيت أو الشكل الابتدائي من الطين ثم نحوله عن طريق القولبة إلى الجص ثم إلى مادته النهائية معدن، خشب، حجر... أنا أميل غالباً إلى هذا وليس دائماً بطبيعة الحال فيمكن( حرق المراحل) البداية من النحت المباشر على الحجر أو الخشب الدون دراسة سابقة.
النحت بالمجمل يحتاج إلى زمن أكثر من باقي أنماط الفن التشكيلي، لكن لنتفق أن الزمن ليس معياراً للقيمة وإنما المنتوج نفسه هو من يعطي القيمة بغض النظر عن زمن الانتاج، وهنا قد يصل الزمن إلى أقصاه دون الوصول إلى نتيجة مُرضية خاصة عندما يكون العمل ارتجالات على مادة صلبة (دون دراسة مسبقة) وهذا يجعل التجريب غير قابل للتراجع فحين تحذف من الكتلة في عملية هدم ولم توفّق بالنتيجة ستبحث عن حل تشكيلي آخر للكتلة وبهذا قد لا تصل إلى حل مُرضي وسيبقى العمل منتظراً ذلك الحل. نعم هناك أعمال بقيت لسنوات ولم تكتمل بسبب أن الخيال ومقاومة المادة للتشكّل لما يتوصلا إلى اتفاق مُرضي.
مما لا شك فيه كان أثر كبير فالمكان الأول كما أسلفنا أعطى الخبرة في التقنيات والمواد، أما المخيم واللجوء فسيرمي وجدانك يومياً بموضوعات لا تنتهي، أحياناً أجدني في سباق مع الزمن من أجل تفريغ شحنات قذفها الواقع إلى الوجدان (لتصعيدها إلى نوع من الانتاج الفني)
الأهداف مسألة متغيرة وليست ثابتة والطريف أن الأهداف قد تبدأ كبيرة جداً بسبب المعرفة المتواضعة والخبرة الصغيرة كمن يقول سأصنع أغنية تغير العالم. أنا اليوم بعد تجربة اللجوء الثانية إلى الجزائر اعتقد أن لدي هدف ليس سهلاً الوصول إليه هو أن أكون نحاتاً وإن كنت نحاتاً فأن أبقى كذلك والبقية تأتي، وهذا ليس تقليلاً من قيمة ما انتجه هنا بل على العكس أظن أن تجربتي الفنية هنا أكثر نضوجاً واكتمالاً.
الفن دائماً ابن قضية ما، لا يوجد فن بدون قضية حتى في مقولة الفن للفن التي ازدهرت فترة ازدهار التجريد تحمل في طياتها قضية هامة وهي كيف يمكن للفن أن يتخلص من العاطفة ويعتمد على العقل ويخلص من المشابهة ويتجه إلى التجريد ويتخلّص من المعنى ليصبح كينونة بذاته، ونحن اليوم مع ظهور علم الدلالة والفن المفاهيمي حصل التغيير إلى كيف يمكن للفن أن يوصل الموضوع إلى أكثر ما يمكن من المعنى. أعتقد أن هذه التفاصيل متغيرة على جوهر الفن الذي هو بالنهاية وسيلة تعبير الفنان ورسالته إلى المتلقي جوهرها الصدق وبهذا لن تجد للسياسة مكان هنا على سبيل المثال عكس الموضوع الانساني والوجداني الذي سيحضر بقوة بسبب تأثر الفنان به. أما طوق المعالجة فهي بعدد الفنانين ومتجددة ربما في كل فنان وأن منطق إن الفن هو ما يمليه الواجب هو نوع من الالزام سواء أتى من مؤثر خارجي أو داخلي من الفنان نفسه، وأجد أن العمل الفني يمكن له أن يذهب إلى أي موضوع وأن يصيغه بأي صيغة مناسبة. أنا لم أفكر أن الفن الذي انتجهُ ملتزم أو وطني يدخل بالسياسة أو لا يدخل كل هذا ليس في حسابي إنما أُعبر عن نفسي بشكل صادق وبطبيعة الحال وجدت نفسي في دائرة الصراع العربي الإسرائيلي وإفرازات هذا الصراع هي أكثر ما شغلني من الجانب الوجداني، وليس بالضرورة أن يكون غداً حاملاً لهمّ الأمس.
سومر ابنتي تحضّر رسالة ماجستير في جامعة قرطبة حول هذا السؤال بالذات، المسألة لها الكثير من الاحتمالات مرتبطة بالمكان والظروف والرؤيا والإمكانات ومفتوحة على كل الإحتمالات وأولها الضياع بين الهنا والهناك والهنالك أقصد التناقض بين الاندماج والهوية.
أشتغل على عمل من الخشب كنت بدأته عن اللاجئين وتطور أثناء العمل مع وجود الوباء، وقد اقترب من الانجاز اعطيته اسم أولي (اللاجؤون يعبرون بوابة كورونا) لا أدري أين سنصل أنا وهو لننتظر ونرى.
نعم كنت أحضر قبل الهجرة إلى تطوير تجربة المعادن والبحث في الخزف والزجاج وهما مواد تكاد تدخل الواحدة في الأخرى أساس انتاجهم النار التي هي أقرب العناصر إلى روحي، وهذه المواد القديمة لم تعطي لنا كل ما لديها من إمكانات على مستوى الشكل وهي إمكانات كبيرة جداً. مع الأسف الموضوع توقف تماماً بعد الهجرة بسبب ظروف إدارية واقتصادية حالت دون هذا البحث.
كنت درّست تقنيات الخزف والنحت في المعهد المتوسط للفنون التطبيقية بدمشق وشغلت رئيس قسم الخزف لأعوام طويلة وكان لدي الكثير أقوله للطلبة هناك. أما اليوم فقد خرجت من ثوب مُدرّس الفن وليس لدي رغبة في ارتداءه.
اسعدني التواصل معكم ومع صفحتكم والموضوعات الهامة التي تتصدون لها. أملي أن تتطور هذه التجربة لتصل إلى باقي الموضوعات الأكثر التصاقاً بالناس من حيث إمكانية تطوير حياتهم بكل المجالات وليس الاقتصار على وصفها وهو ضروري وهام، بناء الثقافة بتفاصيلها هي المدخل الأهم لذلك.
شكرا للفنان المبدع / زكي سلام
كل التقدير وعلى لقاء جديد إن شاء الله قريبا
https://palcamps.net/ar/post/46