(الداية) مهنة الطب الشعبي


(الداية) مهنة الطب الشعبي

 

بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب

من بين النساء ممن أنجبتهم فلسطين قبل النكبة وبعدها، ما نطلق على الواحدة منهن لقب أو مُسمى الــ (داية) المختصة في ولادة النساء، بالرغم من وجود مشافي الأطفال وأقسام الولادة في فلسطين قبل النكبة وبسنواتٍ طويلة. إنها مهنة توارثتها أجيال كانت القابلة ترث عملها عن والدتها أو واحدة من أفراد أسرتها، وتصقل الموهبة بالمران الطويل والعمل مع قابلات لهن باع طويل في مجال التوليد.
ماتميزت به (الداية) في فلسطين، أن عملها ومهنيتها، اكتسبتها وعلى "السليقة" على حد تعبير الكثيرين ... بالخبرة والمران، والعمل الدؤوب دون دراسة اكاديمية، كما يجري الآن، حين تتم الولادات في المشافي التخصصية واقسامها كما كان حال مشفى طبريا ومشفى عكا ... حيث رأت النور ـــ وعلى سبيل المثال ـــ عيني الشهيد غسان كنفاني في مشفى عكا التخصصي أوائل ثلاثينيات القرن الماضي.
كانت مهمة الداية، متابعة الحوامل، وتفقد الحامل من حينٍ لأخر. فقد كانت ترافق المرأة الحامل وتتابع تطور حملها حتى تضع جنينها. باختصار كانت القابلة بالمهام التي تقوم بها تعوض طبيبا مختصا في الحمل والولادة مع اختلاف الوسائل وبدائيتها، وصولاً الى ساعات البدء بتحضير أمور الولادة. فقد كانت يد (الداية) عند فحص (بطن الحامل) عبارة عن جهاز متطور من ناحية الخبرة لمن تعمل في تلك المهنة، ويُمكن أن نُسميه بـــــ (الإيكو اليدوي) قياساً بجهاز (الإيكو الإلكتروني الحالي المتطور).
وقد برزت العديد من أسماء القابلات في مخيم اليرموك، ممن حملن تلك المهنة من فلسطين بعد النكبة واللجوء. ويُمكن أن نذكر من تلك القابلات :
ام ظافر القاسم (من صفورية قضاء الناصرة)، ومنزلها الواقع جانب مجمع اللوثري الطبي في اليرموك، في شارع صفورية.
وام محمد الشورى من بلدة (الطنطورة قضاء حيفا)، ومنزلها قرب ساحة أبو حشيش، مقابل القهوة.
أما، أم خليل علوش (من مدينة يافا)، اليافاوية، التي كانت تتولى تلك المهنة في يافا كــــ (داية) والتي كانت تُقيم بمنطقة المجتهد بدمشق بعد النكبة، فقد كانت قمة في الشطارة بعملها، حيث نظرة واحدة منها للحامل، وفحصٍ يدوي للبطن، لتقول العبارة الشهيرة التي تطلقها كل (داية) : (سخنوا المي) بمعنى أن (الطلق) قد جاء وهلت ساعة الولادة ... وهكذا. أو تقول مازال الأمور تحتاج لبضع الوقت.
أم خليل علوش، كان القابلة أو (الداية) التي حضرت لمنزلنا عندما انجبت والدتي رحمها الله اكثر من نصفنا. رحم الله تلك النسوة من شعبنا، من جيل تحدي البقاء. ونحن هنا لانشير لمن درست وانهت دراستها اللاحقة كقابلة قانونية في المعاهد المختصة وبطابعٍ اكاديمي بل لمن كانت تمارس تلك المهنة دون دراسة، بل بمراكمة الخبرة. لكن (الداية) تواجه شبح النسيان، لتحل محلها "القابلة القانونية" خريجة الدراسة الأكاديمية.
(الصورة : من الجيل الأخير لـــ "الداية" في فلسطين)



https://palcamps.net/ar/post/76